عاطف عبد الغني أكتوبر : 18 - 12 - 2011
«رجال أعمال ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين اشتروا ثلاثة ملاهٍ ليلية (كازينوهات) من ملاهى شارع الهرم وأغلقوها تمهيدا لهدمها».. الخبر غير متداول ولكن قاله لى شفاهة زميلى جمال رائف وهو على عهدته ، فإن كان صحيحا فله وقد أثبت حقه، وإن لم يكن كذلك فأتمنى أن يفعلها الإخوان أو غيرهم حتى يمحوا معرة كانت تلاحق المصريين فى الدنيا أينما وجدوا وسوف تلاحقهم فى الآخرة لأنهم سكتوا على هذا لسنوات طويلة فائتة.
وتصور معى ذكاء الإخوان إذا كانوا قد توصلوا إلى هذا الحل للتخلص من هذه الملاهى وبدلا من أن يغلقوها بقوة العضلات فعلوا ذلك بقوة العقل.. أن يشتروا هذه «المساخر» ويزيلوها ليقيموا مكانها ما ينفع الناس وينفعهم حين يعيدوا تدوير أصولها المتمثلة فى الأرض فقد ربحوا فى الدنيا والآخرة.
(1)
يمكنك أن تربط ما سبق بالتصريحات الصحفية للإخوانيين الذين يخططون أو يديرون اقتصاديات الجماعة وحديثهم عن مشروع نهضوى ربما أّجلت الجماعة إعلان تفاصيله، تاركة ذلك لرافدها «حزب الحرية والعدالة» حين يستقر فى البرلمان ويصبح مسئولا عن التنفيذ السياسى لهذا المشروع إما عبر الدفع بتشريعات تسمح بتنفيذ بعض بنوده وإما حث الحكومة وتحفيزها لتبنيه وإما تهيئة البنية الاقتصادية للدولة لذلك.
وأعضاء الحرية والعدالة فى البرلمان ومن سوف يتحالف معهم – بالتأكيد - سوف يستخدمون كافة الصلاحيات والآليات التى يكفلها لهم الدستور أو تتيحها لائحة البرلمان للضغط على الحكومة فى حالة المناوءة أو الرفض، وسوف يختلف الأمر بالطبع إذا حدث نوع من التراضى بين الطرفين (الحكومة والبرلمان)، إذا شكلت الأغلبية الإسلامية المتوقعة الحكومة فى البرلمان القادم أو أى برلمان فقد انحلّت كل العقد.. أما الشق الثانى من تنفيذ مشروع الإخوان لن يكون له علاقة بالبرلمان لأنه سوف يتمثل فى العمل على الأرض ويعتمد على أموال الجماعة ومن يمتلكون هذه الأموال.
(2)
رجال أعمال أو مستثمرون إخوانيون ينافسون نظراءهم الليبراليين.. كان موضوعا للغمز واللمز من جانب خصوم الجماعة، وبالطبع هناك من تطوع بالرد من الفريق الأول، حيث لا أحد ولا شىء ناجٍ الآن فى مصر من السخرية، وحيث يتبادل الخصوم زغزغة الخصور بالخناجر والسكاكين، ولم تعد النكات بين المصريين خفة دم ولكنها أصبحت خفة عقل وقلة أدب و»جليطة» وخوض فى مساحات كان محرما فيها الخوض من قبل مثل العقيدة والشرف.
رجال أعمال إخوانيون .. ياله من ذنب، وكأنه شىء حرام أو عيب أن يملك الإخوان ثروات أو كان لا يصح ذلك، أو لابد أن يكونوا شحاذين حتى يدخلوا الجنة ويتركوا الدنيا لأصحابها الذين يخبرون متاعها ويجمعون المال لينفقوه فى تحصيل تلك المتع .. وما أستنكره من الأخيرين ليس من باب المزايدة على الإخوان أو الدفاع عنهم، لكنه رصد لانتقاص العقل والدعايات الساذجة الموتورة، وهو فخ للأسف يقع فيه أيضا بعض المحسوبين على التيار الإسلامى، وأخطر من ذلك أن هؤلاء الذين أقصدهم يستعينون فى فضائياتهم بمواد منقولة عن قنوات فضائية تحريضية تبالغ فى عرض مظاهر الفقر فى مصر وتخلطها بما يضغط على الأعصاب ويؤجج مشاعر الحقد الطبقى، فينتقلون بين الخائفين على السياحة الشاطئية وحظر المايوه إلى القاطنين للمناطق العشوائية والمرتهنة حياتهم برغيف خبز وأنبوبة بوتاجاز، وعلى أصوات بكاء وانتحاب الشاشات والكلمات تولد دعاوى الانفجار أو الانجرار إلى ما يطلق عليه ثورة الجياع، ولا يدرى السذج الطيبون أن المقصود هو تنفيذ سيناريو بديل من سيناريوهات الفوضى التى فشل أعداء الوطن فى الداخل والخارج فى إحداثه حتى اللحظة.
(3)
حسن عز الدين مالك وشهرته حسن مالك، إحدى الشخصيات أصحاب السير الأسطورية فى الجماعة، وأحد أبرز خبرائها ومهندسيها الاقتصاديين، ويمكن أن يستغرقنا حديث طويل عن جهاد مالك وقضيته المشهورة بقضية «سلسبيل» والتى قضى بسببها سنوات ما بين السجن والاعتقال قبل أن يفرج عنه هو وصنوه خيرت الشاطر بعد سقوط مبارك بشهر ونصف الشهر.
مالك من أوائل الذين تخصصوا فى صناعة البرمجيات وينسب إليه أنه أول من صنّع جهاز الكمبيوتر فى مصر، ولعل هذا يفسر انتماء كثير من الإسلاميين وخاصة الشباب منهم إلى تجارة وصناعة هذا النوع من التكنولوجيا.
مالك كان واحدا من رجال الأعمال الطامحين إلى تحويل مصر من سوق مستهلك إلى بلد صناعى منتج، وسيرته تؤكد هذا، لقد ورث هو وإخوته عن أبيه مصنعا للغزل والنسيج فى مدينة السادس من أكتوبر، لكنه لم يحبس نفسه فى تلك الصناعة، وخرج من جلباب أبيه إلى صناعات أخرى مثل الأثاث والملابس وتكنولوجيا الحواسيب، وسعى للحصول على توكيلات صناعية لماركات عالمية متوجها فى ذلك إلى تركيا يواكب نهضتها ويشارك تجربة شبيهة بما يريد تطبيقه فى مصر.
وفى عام 2006 تم اعتقاله وأحاله الرئيس المخلوع مبارك إلى محاكمة عسكرية هو و41 من قيادات وكوادر الجماعة بتهم غسل الأموال وتعطيل العمل بالدستور والانضمام إلى جماعة محظورة، وأخطر من ذلك تهمة السعى إلى قلب نظام الحكم، وكان نصيب مالك من هذا الحكم عليه بالسجن 7 سنوات ومصادرة أمواله وغلق مصنع كان على وشك التشغيل يسع ألف عامل.
فى تصريحات أخيرة، قال مالك متحدثا عن نفسه ونظرائه من رجال أعمال إخوانيين:
«تحاشينا افتتاح مصانع أو شركات كبيرة لأنه كان من السهل على النظام أن يؤصدها.. لم نتمكن حينها من توسيع نشاطنا.. لقد تغير الوضع الآن».
خطة مالك وإخوانه النهضوية تعتمد على تجويد المنتج المحلى، وبعبارة أخرى صناعة منتج محلى ينافس نظيره الأجنبى، هذا هو البند الأول على قائمة إنقاذ ما تبقى من الصناعة المصرية التى ساءت سمعتها إلى حد كبير فى أسواق الخارج خلال السنوات الأخيرة المنقضية، والمنتج الجيد يحتاج إلى عمالة ماهرة مدربة، وهو ما دفعه إلى القول بأنهم سوف يتوسعون فى خطتهم فى وضع وتفعيل برامج التدريب والتأهيل لخلق أجيال جديدة من صناع مهرة، وهذا بدوره سوف يسحب من رصيد البطالة، فإذا ما مضت العملية إلى نهايتها فسوف تؤسس لاقتصاد قائم على الصناعة، اقتصاد تنموى وليس ريعيًا، وسوف يتم فتح الأسواق التى أغلقت فى وجه الصناعة المصرية وعلى مستوى الداخل، وسوف نقلل من الاستيراد، وفى القريب ربما تستعيد منتجاتنا - من الغزول والأنسجة والمصنوعات المعتمدة على القطن المصرى - سمعتها، وربما نصنع أول سيارة مصرية أو ننافس الهند فى صناعة البرمجيات.
(4)
قبل 10 أشهر تقريبا، كان الانتساب إلى الإخوان تهمة يتبادلها الخصوم للتخويف والترهيب، والآن تغير الحال، عن نفسى أنا لم أنضم إليهم وغالبا لن أفعل ذلك فى المستقبل لكن هذا لا يمنعنى من أن أتناولهم بموضوعية فهذه هى المهنية الإعلامية التى يتشدق بها المتلونون بالانتماءات، الملونون لأخبارهم المخلوطة أو المغلوطة ثم يصدعون رؤوسنا ليل نهار بالمهنية وهم يحسبونها على أعمال الحواة والبهلونات، وغيرهم من الذين يتصورون أنهم يملكون حصريا النقاء الثورى، ويطلبون الديمقراطية لأنفسهم ويمنعونها عن الآخرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق