الثلاثاء، 24 أبريل 2012

على بن أبى طالب


اليوم السابع اليوم السابع : 08 - 09 - 2008

إسلامه
سبب إسلامه أنه دخل على النبى صلى اللّه عليه وسلم ومعه خديجة رضى اللّه عنها، وهما يصليان سواء، فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دين اللّه الذى اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله، فأدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته والكفر باللات والعزى".
فقال له علىٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلستُ بقاضٍ أمراً حتى أحدث أبا طالب.
وكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفشى سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: "يا عليّ! إن لم تُسلم فاكتم هذا". فمكث على ليلته، ثم إن اللّه تعالى هداه إلى الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلم على يديه، وكان على رضى اللّه عنه يخفى إسلامه خوفاً من أبيه، إلى أن اطلع عليه وأمره بالثبات عليه فأظهره حينئذٍ، أما أبو طالب فلم يرض أن يفارق دين آبائه، وتقول الشيعة: إنه أسلم فى آخر حياته. عن أنس بن مالك قال: بُعث النبى صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم على يوم الثلاثاء، وهو ابن عشر سنين، وقيل: تسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره
ليلة الهجرة
قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة، ينتظر مجىء جبريل عليه السلام وأمْرَه له يخرج من مكة بإذن اللّه له فى الهجرة إلى المدينة، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبى وأرادوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت فى مكانه الذى يبيت فيه، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بن أبى طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجَّى بِبُرد له أخضر ففعل، ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القوم وهم على بابه، وتتابع الناس فى الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يُفتن فى دينه على بن أبى طالب. ولما أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يضطجع على فراشه قال له: إن قريشاً لم يفقدونى ما رأوك، فاضطجع على فراشه.
وكانت قريش تنظر إلى فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيرون عليه عليّاً فيظنونه النبى صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً. فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعلى معه، فحبسهم اللّه بذلك عن طلب النبى حين رأوا عليّاً.
هجرته إلى المدينة
قال على رضى اللّه عنه: "لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة فى الهجرة أمرنى أن أقيم بعده حتى أؤدى ودائع كانت عنده للناس، ولذا كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهر ما تغيبت يوماً واحداً. ثم خرجت فجعلت أتبع طريق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قدمت بنى عمرو بن عوف ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهِدم، وهنالك منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم".
خرج على رضى اللّه عنه قاصداً المدينة، فكان يمشى الليل ويُكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبى صلى اللّه عليه وسلم قدومُه قال: "ادعوا لى عليّاً". قيل: يا رسول اللّه لا يقدر أن يمشى، فأتاه النبى صلى اللّه عليه وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتَفَل النبى صلى اللّه عليه وسلم فى يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما حتى استشهد رضى اللّه تعالى عنه.
أبو تراب
دخل علىٌّ على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع فى المسجد، ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على فاطمة، فقال لها: "أين ابنُ عمك؟" فقالت: هو ذاك مضطجع فى المسجد، فجاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: "اجلس أبا تراب"، فواللّه ما سمَّاه به إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وواللّه ما كان له اسم أحبَّ إليه منه.
غزواته فى سبيل الله
شهد على رضى اللّه عنه الغزوات مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان له شأن عظيم، وأظهر شجاعة عجيبة، وأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، اللواء فى مواطن كثيرة.
فى غزوة بدر الكبرى، كان أمام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع على يقال لها (العقاب) والأخرى مع الأَنصار. وأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبارز فى هذه الغزوة الوليدَ بن عتبة، فبارزه وقتله وكان من أشد أعداء رسول اللّه.
وفى غزوة أحد قام طلحة بن عثمان فقال: يا معشر أصحاب محمد! إنكم تزعمون أن اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفى إلى الجنة، أو يعجلنى بسيفه إلى النار؟؟
فقام إليه على بن أبى طالب رضى اللّه عنه فقال: والذى نفسى بيده، لا أفارقك حتى أعجلك بسيفى إلى النار، أو تعجلنى بسيفك إلى الجنة، فضربه على فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته. فقال: أنشدك اللّه والرحم يا ابن عم، فتركه، فكبَّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال لعلى أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمى ناشدنى حين انكشفت عورته فاستحييتُ منه.
وفى غزوة خيبر أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللواء، عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله" فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليّاً، وهو أرمد فتفل فى عينيه وأعطاه اللواء.
وأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليّاً والزبير بن العوام فى أثر المرأة التى أعطاها حاطب بن أبى بلتعة كتاباً إلى قريش وذلك لمَّا أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسير إلى مكة. فخرجا وأدركاها بالحليفة فاستنزلاها فالتمسا فى رحلها فلم يجدا شيئاً. فقال لها على بن أبى طالب: إنى أحلف ما كذب رسول اللّه، ولا كذبنا، ولتُخْرِجِنَّ إلى هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجدَّ منه، قالت: أعرض عني، فأعرض عنها. فحلَّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه. فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وكان على رضى اللّه عنه ممن ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى غزوة حنين حين انهزم المسلمون كما ثبت فى غزوة أحد، وفى غزوة تبوك خلَّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بن أبى طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. فأرجف المنافقون بعلى وقالوا: ما خلَّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون أخذ على سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بالجُرْف - موضع على ثلاثة أميال من المدينة - فقال: يا نبى اللّه زعم المنافقون أنك لمَّا خلفتنى أنك استثقلتنى وتخففت منى. فقال: "كذبوا ولكنى إنما خلفتك لما ورائى فارجع فاخلفنى فى أهلى وأهلك. أفلا ترضى يا على أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدى "فرجع على إلى المدينة ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على سفره.
منزلته عند رسول الله
من الأحاديث التى وردت فى فضل على بن أبى طالب كرم الله وجهه
"اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".‏
" على منى وأنا من عليٍّ"
"أنت أخى فى الدنيا والآخرة"
"من آذى عليّاً فقد آذانى".
"من أحب عليّاً فقد أحبنى، ومن أحبنى فقد أحب اللّه، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضنى، ومن أبغضنى فقد أبغض اللّه"‏.
"على مع القرآن، والقرآن مع عليٍّ، لا يفترقان حتى يردا الحوض"‏.
قضاؤه
عن أنس رضى اللّه عنه، عن النبى صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أقْضَى أمَّتى عليٌّ". وعن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال: أقضانا على بن أبى طالب. وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "تختصم الناسَ بسبع، ولا يحاجك أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً باللّه، وأوفاهم بعهد اللّه، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم فى الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند اللّه مزية".
عن على رضى اللّه عنه قال: بعثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن قاضياً وأنا حديث السنِّ. فقلت: يا رسول اللّه تبعثنى إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لى بالقضاء.
قال: "إن اللّه سيَهدى لسانك، ويثبت قلبك". قال: فما شككت فى قضاء بين اثنين، وفى رواية: "إن اللّه يثبت لسانك، ويَهدى قلبك" ثم وضع يده على فمه. وبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن، فوجد أربعة وقعوا فى حفرة حفرت ليصطاد فيها الأسد، سقط أولاً رجل فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته، فتنازع أولياؤهم حتى كادوا يقتتلون.
فقال عليٌّ: أنا أقضى بينكم فإن رضيتم فهو القضاء، وإلاَّ حجزت بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليقضى بينكم. اجمعوا من القبائل التى حفروا البئر ربع الدية وثلثها ونصفها ودية كاملة، فللأول ربع الدية لأنه أهلك من فوقه، وللذى يليه ثلثها لأنه أهلك من فوقه، وللثالث النصف لأنه أهلك من فوقه، وللرابع الدية كاملة، فأبوا أن يرضوا. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم فقصُّوا عليه القصة. فقال: "أنا أقضى بينكم" - واحتبى ببردة - فقال رجل من القوم: إن عليّاً قضى بيننا، فلما قصوا عليه القصة أجازه.
صدقته و زهده و تواضعه
عن عمَّار بن ياسر رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعليٍّ: "إن اللّه قد زيَّنك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هى زينة الأبرار عند اللّه، الزهد فى الدنيا. فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووصب لك المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً".
وعن على عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "يا عليّ، كيف أنت إذا زهد الناس فى الآخرة ورغبوا فى الدنيا، وأكلوا التراث أكلاً لَمّاً، وأحبوا المال حبّاً جمّاً، واتخذوا دين اللّه دَغَلاً، ومال اللّه دُوَلاً؟".
قلت: أتركهم حتى ألحق بك إن شاء اللّه تعالى.
قال: "صدقت، اللّهم افعل ذلك به".
أذن بلال بصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن بين راكع وساجد وسائل يسأل. فأعطاه على خاتمه وهو راكع فأخبر السائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُوْنَ}
اشترى على رضى اللّه عنه تمراً بدرهم فحمله فى ملحفته فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟ قال: أبو العيال أحق بحمله.
وعوتب فى لباسه، فقال: ما لكم وللباسى! هذا هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدى به المسلم.
خلافته
لما استشهد عثمان رضى الله عنه، سنة (35 ه) بايعه الصحابة والمهاجرين والأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين، يعمل جاهداً على توحيد كلمة المسلمين وإطفاء نار الفتنة، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى.
ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى مكة المكرمة لتأدية العمرة فى شهر محرم عام 36 هجرى، ولما فرغت من ذلك عادت إلى المدينة، وفى الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار على بن أبى طالب خليفة للمسلمين، فعادت ثانية إلى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضى الله عنهما، وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا فى الخروج على الخليفة عثمان رضى الله عنه، وكان من رأى الخليفة الجديد عدم التسرع فى ذلك، والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين، وتستقر الأوضاع فى الدولة الإسلامية، غير أنهم لم يوافقوا على ذلك واستقر رأيهم على التوجه إلى البصرة، فساروا إليها مع أتباعهم.
معركة الجمل
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك السيدة عائشة رضى الله عنها، ويعيدها ومن معها إلى مكة المكرمة، ولكنه لم يلحق بهم، فعسكر بقواته فى (ذى قار) قرب البصرة، وجرت محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة الجمل فى شهر جمادى الآخرة عام 36 هجرى، وسميت بذلك نسبة إلى الجمل الذى كانت تركبه السيدة عائشة رضى الله عنها خلال الموقعة، التى انتهت بانتصار قوات الخليفة، وقد أحسن على رضى الله عنه استقبال السيدة عائشة وأعادها إلى المدينة المنورة معززة مكرمة، بعد أن جهزها بكل ما تحتاج إليه، ثم توجه بعد ذلك إلى الكوفة فى العراق، واستقر بها، وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الإسلامية
مواجهة معاوية
قرر على بن أبى طالب رضى الله عنه (بعد توليه الخلافة)، عزل معاوية بن أبى سفيان عن ولاية الشام، غير أن معاوية رفض ذلك، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة، وطالب بتسليم قتلة عثمان رضى الله عنه ليقوم معاوية بإقامة الحد عليهم، فأرسل الخليفة إلى أهل الشام يدعوهم إلى مبايعته، وحقن دماء المسلمين، ولكنهم رفضوا, فقرر المسير بقواته إليهم وحملهم على الطاعة، وعدم الخروج على جماعة المسلمين، والتقت قوات الطرفين عند (صفين) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات، وبدأ بينهما القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجرى).
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح على وجنده، أمر جيشه فرفعوا المصاحف على ألسنة الرماح، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها وأمرهم بالاستمرار فى القتال، لكن فريقاً من رجاله، اضطروه للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم، بينما رفضه فريق آخر وفى رمضان عام 37 هجرى اجتمع عمر بن العاص ممثلاً عن معاوية وأهل الشام، وأبو موسى الأشعرى عن على وأهل العراق، واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع فى شهر رمضان من نفس العام، وعادت قوات الطرفين إلى دمشق والكوفة، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية، وكانت نتيجة التحكيم لصالح معاوية.
الخوارج
أعلن فريق من جند على رفضهم للتحكيم بعد أن أجبروا عليا رضى الله عنه على قبوله، وخرجوا على طاعته، فعرفوا لذلك باسم الخوارج، وكان عددهم آنذاك حوالى اثنى عشر ألفاً، حاربهم الخليفة وهزمهم فى معركة النهروان عام 38 هجرى، وقضى على معظمهم، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل فى الدولة الإسلامية.
استشهاده
اجتمع ثلاثة رجال: عبد الرحمن بن مُلجم، والبُرك بن عبد اللّه، وعمرو بن بكر التميمى فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً. فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا.
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم على بن أبى طالب وكان من أهل مصر.
وقال البُرك بن عبد اللّه: أنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان.
وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاقدوا وتواثقوا باللّه لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذى توجَّه إليه حتى يقتله أو يموت دونه.
فأخذوا أسيافهم فسمُّوها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذى توجَّه إليه. وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذى فيه صاحبه الذى يطلب.
فأما ابن ملجم المرادى فكان عداده فى كندة، فخرج فلقى أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئاً من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحاباً من تيم الرباب، وكان على قتل منهم يوم النهر عشرة، فذكروا قتلاهم ولقى من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قَطام ابنة الشجنة وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها التبست بعقله، ونسى حاجته التى جاء لها. ثم خطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تشفى لى. قال: وما يشفيك؟
قال: ثلاثة آلاف درهم وعبد وقينة وقتل على بن أبى طالب.
قال: هو مهر لك، فأما قتل على فلا أراك ذكرته لى وأنت تريديننى.
قالت: بلى، التمس غرته؛ فإن أصبت شفيت نفسك ونفسى ويهنأك العيش معى، وإن قُتلتَ فما عند اللّه خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها.
قال: فواللّه ما جاء بى إلى هذا المصر إلا قتل عليٍّ، فلك ما سألت، قالت: إنى أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك.
فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وَرْدان فكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له: شبيب بن بَجَرة، فقال: هل لك فى شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل على بن أبى طالب، قال: ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إدّاً كيف تقدر على عليٍّ؟ قال: أكمن له فى المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة. شددنا عليه فقتلناه. فإن نجونا شفينا أنفساً وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند اللّه خير من الدنيا وما فيها (فقد كان ابن ملجم يحسب أنه بقتل على يتقرَّب إلى اللّه تعالى!!).
قال: ويحك!! لو كان غير على لكان أهون عليَّ. قد عرفت بلاءَه فى الإسلام وسابقته مع النبى صلى اللّه عليه وسلم، وما أجدنى أنشرح لقتله.
قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه، فجاءوا قَطام، وهى فى المسجد الأعظم معتكفة فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل عليٍّ. قالت: فإذا أردتم ذلك فأتونى.
ثم عاد إليها ابن ملجم فى ليلة الجمعة التى قتل فى صبيحتها على سنة 40، فقال: هذه الليلة التى واعدت فيها صاحبى أن يقتل كل واحد منا صاحبه، فدعت لهم بالحرير فعصبتم به وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السُّدة التى يخرج منها على (الباب) فلما خرج ضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف فى قرنه، وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بنى أبيه، وهو ينزع الحرير عن صدره. فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان، وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله.
وصيته عند وفاته
قد نهى رضى الله عنه عن قتل قاتله أو التمثيل به فقال:
"يا بنى عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قُتل أمير المؤمنين. قُتل أمير المؤمنين. ألا لا يُقتلن إلا قاتلى. انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإنى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور".
وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم على قائلاً :( إن أعش فأنا أولى بدمه قصاصاً أو عفواً، وإن مت فألحقوه بى أخاصمه عند رب العالمين، ولا تقتلوا بى سواه، إن الله لا يحب المعتدين) وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو فى لحظاته الأخيرة قال لهم:( لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم بأموركم أبصر) واختلف فى مكان قبره, وباستشهاده رضى الله عنه، انتهى عهد الخلفاء الراشد
ين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق