الاثنين، 23 أبريل 2012

علاج الفضائيات.. سم بلا ترياق





إيمان صلاح الدين أخبار مصر : 18 - 03 - 2008

مع إزدحام الفضاء العربي بأكثر من 400 قناة تتنافس لإجتذاب الجمهور، وفي ظل غياب الرقابة الدوائية الفعلية إنتشر الإعلان عن الأدوية، وأضحي ما جاء بالمادة الخاصة بالضوابط التي يجب إتباعها عند الإعلان عن المستحضرات الطبية والصيدلية في قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر عام 1955م، أي منذ أكثر من نصف قرن، من ضوابط وعقوبات خاصة بالاعلان عن الدواء غير كافي لضبط الاسواق ويحتاج لإعادة نظر لما تمثله من استنزاف لصحة المواطن أمواله.
وبالرغم من تحذيرات الأطباء والصيادلة من خطورة تناول الأدوية والمستحضرات الطبية عبر الإعلان إلا انها تلقي قبولا من جانب الجمهور بل وتأخذ مساحات إعلانية كبيرة في الوسائل الاعلام خاصة الفضائيات،،، وبين آراء الصيادلة والأطباء والإعلامين والمسؤولين كان لنا هذا التحقيق...
خطورة الدواء المجهول
تقول دكتورة عبير محمود، صيدلانية، إن الاعتماد علي الإعلان التجاري في تناول الدواء يعرض المريض لعدة مستويات من الخطورة ويطرح العديد من علامات الإستفهام حول مصدر الدواء وطريقة تصنيعه فهل خضع العقار لخطوات التصنيع السليمة ؟ وهل المادة الفعالة به سليمة ومطابقة للمواصفات؟ فأخطر ما في الاعلان عدم ذكر المادة الفعالة المستخدمة، وهل الأدوات المستخدمة في التصنيع سليمة ومعقمة؟ وغيرها من التساؤلات المهمة التي يجب الاجابة عليها في الإعلان.
وتكمل، أن مستخدم الدواء المجهول قد يتعرض أيضا للغش التجاري بمعني أن المصنع قد يستخدم مادة فعالة بديلة عن المادة الأصلية ويبيع المنتج الرخيص بسعر المنتج الغالي ، حيث أن المادة الفعالة المستخدمة في الدواء مواد خطيرة ففي بعض الحالات تكون النسب الآمنة التي تساعد علي الشفاء منها 1 مللي في حين انها تكون قاتلة اذا تناول الفرد منها 2 مللي.
وعلي الجانب الآخر، تؤكد دكتورة عبير أن الدواء لابد أن يؤخذ بناء علي تشخيص الطبيب المعالج، كما لا يوجد عقار واحد يستطيع علاج جميع حالات الإصابة بمرض واحد كالبول السكري أو الضغط أو العقم ، فبالنسبة لمريض السكر علي سبيل المثال في حالة توقف البنكرياس عن العمل لاغني له عن الحقن بالأنسولين ، لكن في حالات أخري يكون البنكرياس فيها لايزال يعمل لكنه خامل وهنا يمكن للمريض تناول عقاقير منشطة وفقا لحالته وتحت إشراف الطبيب، وهو ما ينسحب علي كافة الأمراض، ويؤدي تناول الدواء المجهول المصدر إلي الإصابة بجميع الآثار الجانبية بداية من الصداع والقيء ووصولا إلي تدهور الحالة الصحية والتسمم وارتفاع ضغط الدم والقرح.
ويري دكتور حاتم فاروق، صيدلي في إحدي شركات الأدوية، أن الإعلان عن الدواء لايكون خطيرا إذا كان الدواء المعلن عنه من العقاقير اللاوصفية وهي الأدوية التي يمكن للصيدلي بيعها بدون استشارة الطبيب كأدوية الانتفاخ والصداع وعسر الهضم، وهنا لابد أن يكون الإعلان صادق بمعني توضيح المادة الفعالة المستخدمة ونسبتها والآثار الجانبية الناتجة عن استخدامه وأخيرا الحالات التي يضرها استخدامه.
وتشاركة في الرأي دكتورة شرين مرتضي ، خبير التسويق بإحدي شركات الإدوية، حيث تري أن الإعلان عن الدواء غير مرفوض علي إطلاقة فشركات الدواء عندما تنتج عقار جديد لابد أن تعلن عنه لجمهور الأطباء عبر المجلات الطبية المتخصصة كما انه من الممكن الإعلان عنه للجمهور ولكن بشروط قاطعة منها إيضاح معلومات كاملة عن الدواء والتأكيد علي استخدامه تحت إشراف طبي، وفي سياق مواز لابد من وجود برامج توعية ضد الاستخدام غير السليم والرشيد للعقاقير.
أدوية بيع الوهم
الاعشاب كيماويات تؤثر علي الصحة
وحول مخاطر تناول عقاقير علاج السمنة والنحافة عبر الإعلان يقول دكتور محمد منصور - استشاري أمراض الباطنة- لإنه مع انتشار الهوس بمستحضرات الرشاقة ومستحضرات بناء العضلات التي تحتوي علي هرمون النمو وغيرها من المستحضرات التي تبيع الوهم للشباب والمراهقين الباحثين عن الجمال يلهث أصحاب الوزن الثقيل وراء العقاقير التي تساعد علي فقدان الوزن مثل الأدوية المحتوية علي (meridia) وتؤدي إلي الشعور بالإمتلاء وهذة العقاقير لاتقلل من الشهية ولكنها تؤثر علي الجهاز العصبي المركزي لتشعر متناولها بالشبع ويكثر الإعلان عنها في الفضائيات علي الرغم من انها تتسبب في العديد من الآثار الجانبية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والصداع وجفاف الفم والأرق.
ويكمل، أن هناك نوع آخر من عقاقير علاج البدانة التي يتم الإعلان عنها وتسمي (xenical) وتعمل علي الجهاز الهضمي بحيث يجعل الجسم يمتص 30% فقط من الدهون التي تدخل الجسم وبالرغم من مصادقت دائرة الاغذية والعقاقير الأمريكية علي هذا العقار إلا ان الاستخدام أظهر له عدد من الأعراض الجانبية مثل إضطرابات المعدة والأمعاء ، كما انه لابد ان يؤخد بالتكامل مع فيتامينات (A,K,E,D) لتجنب آثارها الجانبية، ومن الضروري عدم استخدامها لفترات طويلة حتي لاتؤثر علي الصحة العامة، خاصة انه قد يعاني كثير من الافراد مشكلات صحية لايعلمونها وبالتالي لابد من تناوله تحت إشراف طبيب.
وعن العقاقير التي تحتوي علي هرمون النمو، يقول دكتور منصور إن الخواص البنائية لهذة المركبات و تأثيرها على زيادة القدرة الرياضية للاعبين فى الرياضات التنافسية التى تتطلب زيادة فى حجم العضلات و قوتها مثل رفع الأثقال و كمال الأجسام و المصارعة تجعل الشباب والمراهقين يقبلون علي استخدامها للحصول علي جسم رياضي دون إدراك خطورتها .
ولهذة العقاقير أعراض جانبية خطيرة بداية من حب الشباب وحتى سرطان الكبد، وأغلب الأعراض يمكن أن تختفى مع توقف التعاطى إلا أن بعضها دائم، فتوضح الأبحاث أن اكثر من 85% من المتعاطين للهرمون يعانون من أكثر من مستوي للضرر فتناول الهرمون خلال فترة النمو يؤدي الي قصر القامة وبالرغم من الوظيفة البنائية للعقار إلا انه ذات أثر سلبي علي الأربطة والمفاصل والأوتار ، وتعاطى هذه المركبات يؤدى الى ترسب الكولسترول في الأوعية الدموية و حدوث تصلب الشرايين وغيرها من أمراض القلب في سن مبكر، كما تساعد في ارتفاع ضغط الدم وأمراض الكبد وتحد من القدرة علي الإنجاب.
وعن تأثير هرمون النمو علي السلوك، يقول دكتور منصور إن الدراسات أثبتت أن دخول تلك المركبات الجسم يؤدى إلى التوتر والعنف فضلا عن الإحساس بالنرجسية و الزهو بالنفس و تعظيم الذات و عدم القدرة على التواصل مع الآخرين، والخطير أن الشباب يصدقون الإعلان عن تلك الأدوية ولا يرجعون إلي الطبيب أو الأهل لاستشارتهم بجانب جهلهم بمخاطرها.
الأعشاب .. كيماويات
دكتور رؤوف حامد
حول تركيز بعض الإعلانات علي أنها تسوق لعقار آمن لانه مصنع من أعشاب طبيعية، يقول دكتور محمد رؤوف حامد، أستاذ علم الأدوية بهيئة الرقابة الدوائية وعضو غرفة الدواء بإتحاد الصناعات المصرية سابقا، إن ذلك يجانب الصواب لأن الأعشاب هي عبارة عن كيماويات وكل المواد الفعالة المستخدمة في تصنيع الأدوية مستخرجة من أعشاب والأخطر من ذلك أن الأعشاب تعيش داخلها فطريات وهي كائنات حية تفرز ميكروبات قد تضر الجسم فبعضها من الممكن أن يتلف الكلي في أسبوع واحد.
ويحذر دكتور رؤوف حامد من سيطرة البزنس علي الإعلام لأنه يعزز من الأهداف الإعلانية لتطغي علي القيم الإعلامية، وهو ما يتضح بالنظر الي إعلانات الدواء التي من المفترض غياب الصفة التنافسية عنها لإنتفاء قدرة المواطن علي الحكم عليه والمفاضلة بينها.
الرقابة الدوائية..قاصرة
وعن دور الجهات الرقابية، يري أن هيئة الرقابة الدوائية لا تقوم بدورها الرقابي المفترض في متابعة تلك الإعلانات والتصدي لها، بينما يقول أستاذ علم الأدوية أنه من المفترض أن يقدم للوزارة كافة بيانات العقار الحقيقية ويتم مراجعتها ويعتقد أن ما يقدم للوزارة يكون صيدليا صحيح، ولكن ما يقدم للناس عادة لا يعلن تفاصيل الدواء من مادة فعالة ونسبتها والاثار الجانبية الي آخره .
وشدد دكتور صفوت العالم أستاذ الإعلان بكلية الإعلام -جامعة القاهرة علي أن كافة المواثيق الدولية تؤكد منع وحظر الإعلان عن الدواء وكافة العقاقير العلاجية أوالأغذية التي لها تأثير مكمل للدواء إذ أن سلطة كتابة الدواء والجرعات تعود فقط للطبيب بشكل فردي وفقا لكل حالة صحية علي حدة وهو ما يتعارض مع طبيعة الإعلان الذي يتوجه للجمهور الذي تتفاوت مستوياته الثقافية والمادية والاجتماعية، ومن اهم مخاطر الحصول علي الدواء عبر الاعلان عدم تحديد هوية الشركة المعلنة بشكل دقيق فضلا عن عدم تحديد الجرعات وموانع الاستخدام بقوة.
ويكمل أن منظمة الصحة العالمية تجيز الاعلان عن العقاقير للأطباء شريطة توضيح آثاره الجانبية بالتفصيل وبخط واضح ولكن لاتتيح المواثيق الدولية الاعلان عن الدواء للجمهور.
وعن دور شركة الأقمار الصناعية (النايل سات) في مراقبة أداء القنوات الفضائية التي تبث عبر القمريين الصناعيين المصريين نايل سات 1 و2 ، يقول أمين بسيوني، رئيس الشركة ورئيس اللجنة الدائمة للإعلام العربي، إن الدواء مادة ذات تأثير خطير علي صحة الإنسان ولا تهاون بصددها، وبناء علي ذلك أعد القطاع الإقتصادي بإتحاد الإذاعة والتليفزيون لائحة للإعلان عن الادوية تفيد بعدم اعلان اي قناة -فضائية كانت أم أرضية- عن عقار بدون موافقة وزارة الصحة بما في ذلك الدواء المستورد .
يأتي ذلك بينما تعمل الجامعة العربية علي مراجعة مضمون الفضائيات وفقا للتشريعات والمواثيق الدولية بناء علي إقتراح مشروع لتنظيم عمل الفضائيات تقدمت به اللجنة الدائمة للإعلام العربي.
الشراء عبر الهاتف
وتشدد دكتورة عنان الهلالي، رئيس الجمعية المركزية لحماية حقوق المستهلك، علي أن المستهلك مسؤول عن حماية نفسه من الغش التجاري فعليه عدم الشراء عبر التليفون خاصة المنتجات التي تؤثر علي صحته لان بعض الشركات تقوم بتأجير وحدات سكنية بشكل مؤقت تبيع من خلالها وتتركها بما يصعب معه تعقب المسؤول، علي سبيل المثال قامت الادارة المنوطة بمكافحة الغش بالشرطة بطلب عبوات من العسل الجبلي الذي تم الاعلان عنه في بعض الفضائيات بشكل مكثف وجاء بالاعلان انه يعالج امراض كثيرة مثل الكبد والسكر وغيرها وبفحصه تبين انه عبارة عن عسل أسود مضاف اليه حبهان مطحون.
وتري أن دور الجمعيات المنوطة بحماية المستهلك يقتصر علي الندوات التوعوية بالمدارس والجامعات والنوادي بمشاركة المتطوعيين، وتعمل تحت ضغط عقبة كبيرة وهي التمويل نظرا لمحدودية مواردها وإعتمادها بشكل كبير علي التبرعات.
ولفتت الي انه من المفترض وجود حملة قومية للتوعية بمخاطر الاستخدام الغير رشيد للدواء تصل الي كافة قطاعات وطبقات المجتمع عبر وسائل الاعلام المختلفة خاصة التليفزيون الذي يمتلك القدرة علي الوصول للفقراء والاميين الذين يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع لكنه يتطلب ميزانية كبيرة.
تؤكد، رئيس الجمعية المركزية لحماية حقوق المستهلك، أن اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك الصادرة في 30/11/2006 تعطي للمستهلكين عدد من الحقوق لحماية انفسهم من الوقوع تحت طائلة الغش التجاري وعليهم المطالبة بها وعدم التفريط فيها وأهمها الحصول علي فاتورة تفصيلية موضح بها بيانات السلعة والبائع وهو ما يقضي علي تغريم المشتري مزيد من التكلفة للحصول علي فاتورة كما كان يحدث سلفا في بعض المتاجر.
كما تعطي اللائحة لجمعيات حماية المستهلك حق رفع دعاوي عن المستهلكين بشرط اثبات الضرر، فضلا عن ادراج العقوبة المالية لمعاقبة المخالف وتتدرج بين 5 آلاف و100 ألف جنيه.
الفقر..والرغبة في الشفاء
بالرغم من خطورة تأثير الدواء علي صحة الانسان الا ان هناك قطاع كبير من المستهلكين يقبلون علي شراء تلك العقاقير بدليل إستمرار الاعلان عنها، ويفسر دكتور محمود عطية الباحث في مجال علم النفس الظاهرة بإرجاعها الي عدة محاور :
أولاً:الرغبة في الشفاء وتمثل الدافع وراء الاقبال علي تلك الاعلانات خاصة وانه علاج سهل وقليل التكلفة لايتطلب من المريض الذهاب للطبيب والخضوع للفحوصات الطبية ولا يكلفة ثمن الدواء المرتفع، كما ان كل ما يقدمه الاعلام يتمتع بمصداقية لدي الجماهير خاصة مع تدني المستويات التعليمية والمادية فلابد من تشديد الرقابة علي المضامين الاعلامية وعدم ترك البشر فريسة لاصحاب الضمائر الغائبة الذين يستسترون وراء الدين لخداع البشر بمسميات مثل الطب النبوي وطب الاعشاب وغيرها.
ثانياً:التعليم والإعلام ويمثلان السبيل الوحيد لحماية المتلقي فالتعليم يجعل الفرد يفكر بشكل علمي ومنطقي، والاعلام فيساهم في اثراء الوعي عن طريق مشاركة الفرد فيما يحدث حوله وتكوين الرأي العام، واخفاق التعليم يؤدي الي عدم قدرة المواطن علي الحكم السليم علي مختلف الامور الحياتية.
ثالثاً:عدم الثقة في المنظومة الطبية نتيجة لكثرة ما يذاع وينشر عن أخطاء الاطباء في المستشفيات وانتشار الادوية المغشوشة بالاسواق، وتتكاتف تلك العوامل مجتمعه لتدفع المواطن البسيط للبحث عن الشفاء فيقع ضحية للنصب والاحتيال.
وأخيرا، تتحقق حماية المواطن من زيف الاعلان الخادع بالتعاون بين الجهات المعنية وهي وزارات الاعلام والصحة والتجارة الداخلية والصناعة وجهاز حماية المستهلك لإتخاذ اللازم نحو القضاء علي ظاهرة فوضي الاعلان عن المستحضرات الطبية وإلتزام المعلن بأحكام القانون والوسيلة الاعلامية بالتأكد من ان المعلن حصل علي الموافقات القانونية والطبية المطلوبة من قبل الجهات المختصة بوزارة الصحة والتي تفيد بخضوع الدواء للفحص الفني الدقيق واستصدار التراخيص اللازمة لتصنيعه او استيراده وبيعه وليس مجرد الحصول علي ختم الوزارة من أي مركز صحة غير مؤهل لذلك حفاظا علي صحة المواطن وقيم ومباديء المجتمع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق