الثلاثاء، 24 أبريل 2012

بنات النبي.. أنشودة الحب الخالد





أحمد عليمي ومحمود صلاح الدستور الأصلي : 27 - 08 - 2010

قال رسول الله «فاطمة بضعة مني من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذي الله»
"فاطمة بضعة مني من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذي الله"
لم نكن لنجد قصة وعبرة وأنشودة وحبا خالداً في هذه الحياة مثلما نجد في سيرة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فنجد أن الله أنعم علي رسوله ونبيه وحبيبه بالبنات فكان هو «أبو البنات» في زمن وأرض كانا يكرهان المرأة ويشجعان علي وأدها ولو تركاها حية كانت تلاقي من القسوة الفظة الكثير ولهذا كانت الحكمة الإلهية من أن يكون نسل رسول الله من السيدة فاطمة، وكان دائماً يوصي صلي الله عليه وسلم بالإناث ففي سنن أبي داوود عم ابن عباس قال: قال رسول الله: «من كانت له أنثي فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة».
هذه هي الرسالة النبوية التي أراد بها رسول الله أن يرسل بها لكل المسلمين في معاملة بناتهم بل إنه أعطي النموذج الأكمل والأجمل والأفضل في معاملة البنات حتي يظل المسلمون متعلقين به في كل زمان ومكان ويدركوا أنه لولا الإسلام ما حصلت المرأة علي حقوقها لأنها إن لم تحصل علي حقوقها «صغيرة» في بيت أبيها لن تحصل عليها «كبيرة» في بيت زوجها وفي عملها.
زينب
كانت كبري البنات الأربع للنبي وقد كان لزينب طابع أنوثي خلاب رغم صغر سنها وكان الفتية من آل هاشم يحلمون بالزواج منها ولكن كان ابن خالتها «أبو العاص بن الربيع » أحد رجال مكة المعدودين شرفاً ومالاً يحلم بقلب زينب وهي كانت تنشده، هنا أشارت أم المؤمنين خديجة علي أبي العاص بالتقدم إلي سيدنا صلي الله عليه وسلم «محمد» لخطبتها وأصغي نبي الله إليه وقال له: إنه نعم الصهر وقال النبي لزينب: بنيتي زينب إن ابن خالتك أبا العاص ذكر اسمك. وقد كان يعرف أن حياءها سوف يمسك لسانها عن الرد ولكنه تلبث فترة ولم يسمع سوي خفقات القلب الطاهر فعاد إلي حيث ترك أبا العاص وهنأه داعياً لهما وأتي موعد الزفاف وكانت زينب رائعة في ليلة عرسها وابتعدت زينب عن أبيها المحبوب محمد وأمها خديجة.
وقد كان خروج زوجها المستمر في رحلات التجارة سبباً في وجودها في بيت أبيها وجاءت اللحظة التي أصغت زينب إلي أمها وهي تحدثها عن نزول الوحي علي أبيها صلي الله عليه وسلم فلبثت في مكانها ساكنة إلي أن جاءها صوت أختها فاطمة وهي تقول ألا يسرك يا زينب أنك ابنة نبي هذه الأمة؟ فأجابت أجل والله يا فاطمة ؛ أسلمت زينب وعاشت في انتظار إسلام زوجها إلي أن جاءت لحظات فارقة في حياتها فقد ماتت خديجة واضطر أبوها لأن يهاجر إلي يثرب ولحقته كل من أم كلثوم وفاطمة وقد سبقتهم رقية إلي هناك.
وظلت زينب وحدها بعد أن خلت مكة من كل الأهل فكانت تذهب إلي دار أبيها الخالي من الأحباب وتسألها أين من كانوا بالأمس يملأونها بالبهجة وتذهب إلي قبر أمها وتظل تبكي بجواره لقد طالت أيام الفراق وظل دمع زينب لا يجف إلي أن جاء يوم بدر وأسر زوجها أبو العاص وبعثت زينب بقلادة أهدتها لها أمها خديجة في ليلة عرسها لفداء زوجها فلما رأي النبي القلادة رد إليها زوجها وقلادتها فلما وصل أبو العاص إلي زينب قال لها إن أباك طلب أن أردك إليه لأن الإسلام فرق بيننا وفي مشهد جلي ودع أبو العاص زوجته ومحبوبته وخرجت زينب متجهة إلي يثرب إلي أن هبار بن الأسود أطلق عليها رمح حيث إنه قد قتل له ثلاثة أخوة في بدر علي يد أصحاب محمد فنزفت زينب وقد كانت تحمل جنيناً في أحشائها ففقدته وعادت إلي بيت زوجها فرعاها حتي ردت إليها بعض قواها وسلمها إلي زيد بن الحارث حتي يردها إلي أبيها.
مرت السنون ولم تنس زينب أبو العاص ظلت تتذكر الليالي الصافية وتحلم بإسلام أبو العاص وقد جاءت هذه اللحظة فقد أسلم أبو العاص وجاء إلي المدينة طالباً رد زينب إليه فوافق النبي الكريم واجتمع الشمل من جديد والتقي الزوجان الحبيبان بعد فراق طويل ومضي عام واحد وماتت زينب في السنة الثامنة من الهجرة متأثرة بعلتها التي لزمتها منذ طرحت جنينها وهي خارجة من مكة بكي أبو العاص بكاء شديداً وظل يناجيها إلي أن أبكي من حوله ولم يستطيع أحد أن يبعده عن فراش زوجته الحبيبة زينب.
صلي عليها أبوها في مسجده وشيعها إلي مرقدها وعاد أبو العاص إلي داره التي كانت جنة الحب وأصبحت منزل الذكريات ولم يخفف عنه أحزانه إلا وجود ابنته أمامه التي كانت تخفف من جراحه وأحزانه وتملأ بيته بسمة وسروراً فكانت أمامه صورة حية من أمها وظل أبو العاص محتفظاً بذكري زوجتها فلم يتزوج حتي لحق بزينب في السنة الثانية عشرة من الهجرة .
رقية
استقبل البيت المحمدي وفداً من آل عبد المطلب يلتمس مصاهرة ابن عمهم الأمين وكانت الشقيقتان رقية وأم كلثوم علي قدر كبير من التفاهم فيما بينهما وقد شاء الله ليجمعهما معاً فقد تقدم لخطبتهما عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب وقد كانت السيدة خديجة تشعر بانقباض لا تدري سببه فكانت تعلله بقرب فراقها لابنتيها إلا أنها بعد فترة عرفت فيما انقباضها فلقد كانت لا تستريح إلي أم جميل بنت حرب زوجة أبي لهب وأم ولديه ففيها شيء من قسوة القلب وشراسة الطباع وحدة اللسان وما غاب شيء من هذا عن بال رقية وأم كلثوم فكانتا تخشيان استبدال العيش مع أمهما السيدة المهذبة اللطيفة بالعيش مع أم جميل وقد سألت أم كلثوم رقية أنك تعلمين أن أبانا لن يقضي هذا الأمر دوننا فماذا ترينك فاعلة؟ فأجابت رقية لست بالتي تعق أباها وتعرضه للحرج أمام أهله وعشيرته ثم شجعت أختها وقالت لا عليك يا أختاه فسنكون معا.
وفي هدوء مشوب بقلق بارك الرسول لابنتيه ومرت الأيام والليالي وكثر خروج الرسول إلي غار حراء ثم تداولت أخبار الدين الذي يتحدث عنه محمد وطلبت قريش من أبناء أبي لهب تطليق بنات محمد ولم تنتظر أم جميل ذلك حيث إنها أقسمت ألا يظلها وبنات محمد سقف وقد كانت أم جميل تسوق أبا لهب وطلقت رقية وأم كلثوم وعادا إلي بيت أبيهم بعدما عانا في بيت أم جميل أشد المعاناة ولكنهما لم يفكرا في الشكوي لأبويهما فقد كانتا أبر بهما من أن تروعانهما بالحديث عن أفاعيل أم جميل وعاشت رقية وأم كلثوم تشاطران أبويهما ما يلقيان في سبيل الله وارتاحت نفساهما لاحتمال كل صنوف الأذي إلي أن تقدم عثمان بن عفان إلي رسول الله يسأل شرف المصاهرة فتزوج من رقية ولم ير زوجان قط أجمل منهما ولا أبهي عاش رقية وعثمان حياة التعبد والإيمان فهاجرا إلي الحبشة فرارا من المعاناة في مكة وكانت رقية تطوف بمغاني صباها مودعة وتعانق أباها وأمها وأخواتها الثلاث قبل أن تتبع زوجها إلي الحبشة وقد آمن النجاشي وأحسن جوارهم وتركهم أحراراً يعبدون الله لا يخافون في ذلك أحد إلي أن جاءت لحظة العودة إلي مكة فعادت رقية إلي بيت أبيها مشتاقة إلي حنان ودفء أسرتها وتشبثت بها أختاها أم كلثوم وفاطمة وسألت رقية عن أبيها وأمها..فقد توفيت خديجة أثناء هجرة رقية وقد سبب هذا حزناً قاسياً في قلب رقية فبكت إلي أن جاء أبوها صلي الله عليه وسلم فخفف عنها أحزانها...هاجرت رقية إلي المدينة بصحبة زوجها عثمان ووضعت طفلها عبد الله ولكن الله تعالي امتحنها بمصاب جديد مات عبد الله طفلاً بنقرة ديك فترنحت رقية تحت وطأة الحزن المرير وكان بجانبها دائماً زوجها عثمان حتي إنه لم يستطع أن يخرج مع المسلمين في غزوة بدر ويفارق زوجته التي تعالج ما يشبه سكرات الموت فتخلف عن موقعة بدر مكرهاً وشهد معركة الموت في أعز من له زوجته. رفعت روح رقية علي شفتيها في حشرجة وانية وحطت عينيها علي زوجها المعذب وغابت عن الوجود وهكذا ودع الرسول الكريم ابنته ذات الهجرتين حتي ووريت الثري الطيب الذي ارتوي يومئذ بدماء الأبرار من شهداء بدر.
أم كلثوم
كان فراقها لعتيبة ابن عدو الله أبي لهب خيراً حيث إنها نجت هي وأختها رقية من نكد العيش مع حمالة الحطب أم جميل التي تمتلك صلفاً أحمق وطيشاً أهوج فكانت أم جميل تفتقد إلي السمات الجليلة التي تغلب علي سيدات قريش وما لبثت رقية أن تزوجت من عثمان ابن عفان وهاجرت معه إلي الحبشة وظلت أم كلثوم مع أختها الصغري فاطمة في بيت ابيهما تشاركان أم المؤمنين الأولي عبئها ويستقبلن النبي الكريم وهو عائد إلي بيته وعلي جسمه ندوب معركة وعلي ثيابه آثار ما كان يلقي عليه من أذي قريش فيحاولن أن ينفضن هذه الآثار فعاشت أم كلثوم مع أسرتها معركة الاضطهاد الذي صابهم.
كانت أم كلثوم أمام مشهدين في غاية الصعوبة أولهما ما يلاقيه أبوها من قسوة وعناد من قريش ومرض أمها خديجة، فكانت ترعي أمها خاصة أيام حصار ومقاطعة بني هاشم حيث إن السيدة الخديجة لن تستطع أن تكمل معركتها فأنهكتها الأحداث وأحست بدنو أجلها وإن بدا أنها تقاوم الضعف والمرض ببسالة وتشبثت بالحياة من أجل زوجها الحبيب ومن أجل ابنتيها أم كلثوم وفاطمة. مر الحصار وفي بيت النبي بمكة رقدت السيدة خديجة في فراشها تتهيأ للقاء ربها بعد أن اطمأنت علي زوجها الحبيب وجاءت لحظة وداع الرسول لبناته متجها إلي يثرب مع الصديق أبي بكر وظلت أم كلثوم وأختها فاطمة وحيدتين في البيت المهجور يكاد يتلفهما الأسي لولا رحمة الله فجاءت البشري وهي وصول النبي إلي يثرب ووصول زيد بن ثابت ليصاحبهما إلي دار الهجرة، وأمضت أم كلثوم وفاطمة اليوم الأخير بمكة مع أختيهما زينب زوجة أبي العاص، وبعد أن مضي علي الهجرة عامان وشهدت أم كلثوم أبيها عائداً منتصراً من بدر وشهدت موت شقيقتها رقية إلي أن جاء زواجها من عثمان بن عفان فظلت تنظر في الخيوط الخفية التي ينسجها القدر ليربط بينها وبين أختها رقية وتم عقد زواجها من عثمان علي مثل صداق رقية، وخرجت أم كلثوم إلي بيت زوجها وبعث الرسول معها أم عياش خادمة النبي كما بعثها مع أختها من قبل فلما شارفت أم كلثوم البيت الجديد أحست بطيف من أختها الراحلة ينتظرها لدي الباب ليصاحبها هنالك فلا يفارقها في يقظة أو منام وهمست في شجن «لم يبق يا رقية إلا أن ألحق بك حيث ترقدين فيجمعنا الموت كما جمعتنا الحياة منذ كنا»، عاشت أم كلثوم ست سنوات رأت فيها الإسلام يبلغ أوج انتصاره حتي ماتت في بيت عثمان في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة ولم تلد أي ولد ودفنت بجوار أختها رقية ووقف النبي علي قبر ابنتيه دامع العينين مودعا ابنتيه.. رحم الله أم كلثوم فلم تشهد محنتي اليتم والترمل فرحل النبي عن الدنيا بعد عام من وفاتها ورحل زوجها بعد ربع قرن.
فاطمة
إنها الزهراء حبيبة رسول الله «صلي الله عليه وسلم» وأم الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، إنها الزهراء التي دخلت التاريخ الإسلامي بافتخار يوم استقبلها البيت المحمدي وليدة قبل المبعث بخمس سنوات استبشر أبواها مولدها واحتفلا بها احتفالا لم تألفه مكة في مولد أنثي، سبقتها ثلاث أخوات ليس بينهن ولد وأمضت طفولتها سعيدة بحب أبويها وتدليل أخواتها خاصة أكبرهن زينب التي كانت بمثابة أم صغيرة لفاطمة. سرعان ما وجدت فاطمة نفسها وحيدة في بيت أبيها بعد أن تزوجت أختها زينب من أبي العاص ورقية من عثمان، فلم تنس فاطمة عندما قالت لها أمها خديجة: ماذا ستلاقين من بعدي يا صغيرتي لقد نلت حظي من الدنيا وأنا هامة اليوم أو غد وأختاك زينب ورقية قد اطمأنيت عليهما فهما في كنف زوجين، ولأم كلثوم من سنها وتجربتها ما يغري بشيء من الطمأنينة عليها وأما أنت يا فاطمة فتستقبلين الحياة هكذا في مستهل الصبا حافلة بالمتاعب منذرة بمزيد من المحن والآلام.
لقد كانت الزهراء متعلقة بأبيها رسول الله «صلي الله عليه وسلم» تعلقاً كبيراً فلذلك كان يمتحن الله إيمانها عندما تشاهد أعز وأحب الناس إلي قلبها يلاقي الأذي والاضطهاد المرير وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبلها بل ربما قبل يدها. وكان رسول الله يقول: «فاطمة بضعة مني من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذي الله».
كانت فاطمة منصرفة عن الزواج متأثرة بنفورها القديم منه يوم انتزعوا أختها الحبيبة زينب من بيت أبويها وزفوها إلي بيت أبي العاص ومن أختيها رقية وأم كلثوم وتركوها وحيدة فكانت فاطمة طفلة في هذ الوقت ولم تدرك طبيعة الأشياء ولكنها في النهاية أدركت حكمة الزواج وأعدتها فطرتها لأن تستجيب لهذا الوضع وكانت تحس بابن عمها علي بن أبي طالب قريباً منها فتزوجته بعدما دخلت عائشة بنت أبي بكر إلي بيت أبيها فأدركت الزهراء أنها عليها أن تنتقل من بيت أبيها إلي بيت زوجها بعدما اطمأنت علي النبي «صلي الله عليه وسلم» الذي كان يضع فاطمة في مكانة خاصة لا يمكن لغيرها أن يوجد فيها، حيث إنها كانت الابنة الرابعة، وقد زاد حب فاطمة بعد موت أخواتها الثلاث وتضاعف هذا الحب بمولد الحسنين وانحصار ذريته صلي الله عليه وسلم في نسل هذه الابنة الوحيدة التي بقيت له. وفي يوم شكا أبو الزهراء من مرض ألمَّ به وسمعت الزهراء بمرض أبيها فشعرت وكأن لسعتها النار وذهبت إلي أبيها وقالت: «وا كربي لكربك يا أبتاه» فرد عليها وهو يدنو إليها في عطف «لا كرب علي أبيك بعد اليوم» ولحق محمد بالرفيق الأعلي فأذهلها المصاب الفادح ولم تفق منه إلا بعد أن تمت البيعة لأبي بكر الصديق فحملت كيانها الممزق وذهبت إلي قبر الحبيب وهي تقول :
ماذا علي من شم تربة أحمد
ألا يشم مدي الزمان غواليا
صبت عليَّ مصائب لو أنها
صبت علي الأيام عدن لياليا
فبكي الناس لبكائها، وقالت معاتبة أنس ابن مالك خادم أبيها: «كيف مكنك قلبك أن تسلم للأرض جثة رسول الله ؟» وأسلمت الزهراء نفسها للحزن فلم يرها أحد منذ مات أبوها صلي الله عليه وسلم إلا محزونة باكية ولم يبق لها من رجاء إلا أن تلحق بأبيها كما بشرها قبل رحيله.. وفي يوم الاثنين الثاني من رمضان سنة إحدي عشرة من الهجرة أغمضت عينيها فنامت وتوفيت الزهراء حبيبة رسول الله ولم تمض ستة أشهر علي وفاته، لم تستطع أن تعيش بعد فراقه فقام علي فاحتملها باكياً ودفنها بالبقيع وعاد محزوناً إلي البيت الذي أصبح حزيناً من بعد الزهراء وبات المسلمون محزونين بعد أن شيعوا إلي القبر آخر بنات النبي صلي الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق