الاثنين، 23 أبريل 2012

الدواء فيه سم قاتل





ناصر خليفة صباح الخير : 11 - 01 - 2011

إذا كانت أدوية المضاعفات الجانبية الخطيرة تسبب الموت المفاجئ للمرضي لذلك يتم سحبها من الأسواق، فإن الأدوية المقلدة أو المزيفة أو ما يعرف في سوق الدواء بالأدوية المغشوشة تعتبر أشد خطرا، فغش وتقليد الأدوية يجعلها أدوية فاسدة بعد أن تتحول المادة الفعالة الأصلية بفعل التزييف إلي مادة سامة تقتل بالبطيء، ولمهارة عملية التقليد وكثرتها بسبب الأرباح الضخمة التي تحققها يصعب اكتشافها ومن هنا تأتي الخطورة أو قل الكارثة.
وتبدأ خطورة الأدوية المزيفة من أنه لا أحد يعرف حجمها ونسبتها في سوق الدواء فلا توجد نسبة ثابتة أو رقم محدد يعبر عن حجم الكارثة بوضوح فما تعلنه وزارة الصحة عن النسبة التي تمثلها الأدوية المزيفة أو المغشوشة من حجم الأدوية المتداول في مصر والذي يقدر بنحو 12 مليار جنيه سنويا يختلف عما تعلنه غرفة صناعة الأدوية، وكذلك عما تقوله نقابة الصيادلة وخبراء صناعة الدواء المهتمين بالأمر، حيث تتراوح النسبة التي يعلنها هؤلاء بين 7% و20%، وبالطبع فإن غياب الأرقام الدقيقة عن هذه الظاهرة الخطيرة يؤثر علي اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهتها رغم تأكيد جميع المتعاملين في سوق الدواء علي خطورة هذه الكارثة وفي مقدمتهم وزارة الصحة التي يؤكد وزيرها حاتم الجبلي دائما علي اهتمام وزارته بمواجهة الدواء المغشوش ومن ذلك ما أعلنه خلال المؤتمر السنوي لمحاربة ظاهرة غش الدواء وأخلاقيات مهنة الصيدلة، حيث أكد أن وزارته ضاعفت أعداد مفتشي الصيدلة لتصل إلي نحو 1000 مفتش، يتم تدريبهم علي أسس التفتيش السليمة، ويتم عمل دورات تدريبية لهم، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والإنتربول، مشيرا إلي أنه خلال عام 2009 تم إجراء التفتيش علي أكثر من 29 ألف صيدلية مقارنة ب19 ألف صيدلية خلال 2008، بالإضافة إلي التفتيش علي أكثر من 1000 مخزن أدوية خلال 2009 مقارنة بحوالي 500 مخزن في 2008.
كذلك إشارته إلي أنه وفق بيانات منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 10% من الأدوية المتاحة علي المستوي العالمي مغشوشة، وقد تصل هذه النسبة لأكثر من 30% في البلدان النامية.
• أرباح أكثر من المخدرات
تتراوح أساليب غش وتزييف الدواء بشكل عام بين التلاعب في تاريخ الصلاحية ووضع تاريخ جديد وهي طرق يصعب اكتشافها حيث تتم في الغالب في المستشفيات العامة سواء الجامعية التابعة لكليات الطب المختلفة أو المستشفيات المركزية التابعة لوزارة الصحة بعيدا عن الأعين، ومن المعروف أنه نادرا ما يتأكد الأطباء في تلك المستشفيات من الأدوية التي تعطي للمرضي حيث يكتفون بوصف الدواء وترك مسئولية إعطائه للممرضات في المواعيد المختلفة .
وتقوم الطريقة الثانية لغش الأدوية علي تقليد عبوات الدواء الأصلية لنوع الدواء المراد تقليده وتزييفه مع وضع مادة فعالة قليلة، وفي هذه الحالة يكون تأثيرها أقل من المطلوب أو وضع مواد أخري لاتحتوي علي المادة الفعالة علي الإطلاق مثل النشا وسكر النبات أو بودرة التلك ثم يتم تغليفها أو وضعها في زجاجات ويطبع عليها اسم المستحضر الدوائي الأصلي واسم الشركة المنتجة ورقم التشغيلة وتاريخ الصلاحية والسعر وغيرها من البيانات الأساسية التي تكتب علي عبوات الأدوية الأصلية، وكما يقول د. عزالدين الدنشاري أستاذ الفارماكولوجي والسموم بصيدلة القاهرة فإن البراعة في تقليد وتزييف عبوات الدواء الأصلية وصلت إلي أن بعض المسئولين في شركات الأدوية الكبري أكدوا خلال مشاركتهم في مؤتمر كلية الصيدلة بكلية مصر للعلوم والتكنولوجيا أنهم لايستطيعون التفرقة بين عبوات الدواء الأصلية التي تنتجها شركاتهم وبين عبوات الأدوية المقلدة لها والتي تحتوي علي مادة خام مغشوشة، وللأسف يعتقد البعض أن الأدوية المزيفة والمغشوشة إذا لم تنفع فهي لن تضر أو تؤثر علي صحة المريض وهذا خطأ شائع لأن التلوث الذي يشوب عملية تصنيع وإعداد الأدوية المقلدة يجعل المادة الخام تتحول إلي السمية ومن هنا يمكن أن تقتل المرضي بسرعة كبيرة في بعض الأحيان وببطء في أحيان أخري كثيرة، فمثلا هناك حادثة غش دواء تسببت في مقتل بعض الأطفال وقد حدثت في الخارج وفيها قام المجرمون بتصنيع دواء «الباراستمول» وهو شراب للأطفال يستعمل كخافض للحرارة بطريقة مشابهة تماما للدواء الأصلي حتي المادة الخام كانت واحدة لكنهم وقعوا في مخالفة واحدة تتعلق ب«مذيب» الدواء فلم يستطيعوا تقليده فكان نتيجة المذيب المغشوش الذي وضعوه في العقار أنه جعل المادة الخام مادة سامة وتوفي بسببها العديد من الأطفال الصغار الأبرياء.
ويقول أمجد عبد الفتاح صيدلي: إن الدواء الفاسد أو المزيف يحقق أرباحا طائلة تزيد علي 2000% و3000% في بعض الأصناف الدوائية الحيوية غالية الثمن وتشير بعض الدراسات الصيدلية إلي أن هذه التجارة اللامشروعة تشكل ما يقارب15% من مجموع إنتاج الأدوية بشكل عام في العالم، وهي تعادل 132 بليون دولار حسب إحصائية منظمة الصحة العالمية، وحتي وقت قريب كان معظم من يقومون بغش الدواء يضعون مواد غير ضارة بدلا من المادة الفعالة حتي لا تصيب المريض الذي يتناولها بأي أعراض جانبية قاتلة مثل أقراص الأسبرين والنشا والكركم والقرفة وسكر النبات إلا أن الفترة الأخيرة شهدت نوعا آخر من غشاشي الأدوية أكثر إجراما حيث يقومون بوضع مواد خطرة مثل الجير الأبيض والبويا الزرقاء وتستخدم هذه المواد بكثرة في غش أدوية الضعف الجنسي وأشهرها الفياجرا!
وقد ضبطت مباحث التموين كثيرا من الأوكار التي يتم فيها تقليد الفياجرا وذلك باستخدام الجير والبويا الزرقاء لكي يتم طلاؤها بلونها الأزرق الأصلي، ولايعرف الكثيرون أن السبب المباشر لقرار د. حاتم الجبلي وزير الصحة بإعطاء حق تصنيع الفياجرا لشركات الأدوية المحلية هو الرغبة في توفير هذا الدواء الحيوي لمرضي الضعف الجنسي بأسعار مخفضة حتي يقضي علي ظاهرة غش الفياجرا الأصلية التي تنتجها شركة «فايزر» العالمية بسبب ارتفاع سعرها، حيث كان يباع قرص الفياجرا 100 ملجم ب 60 جنيها، بينما كان يباع مزيفا ب 5 جنيهات وهو نفس متوسط السعر الذي باعت به شركات الأدوية المحلية إنتاجها من الفياجرا حيث تراوح سعر القرص بين 5 و 9 جنيهات!
• أوكار الغش
ويقول د. علي عبد اللطيف صيدلي: الأدوية المزيفة والمغشوشة الموجودة في الأسواق يوجد منها المحلي الذي يتم غشه بأيد مصرية وهناك المستورد المغشوش في الخارج ويتم استيراده بالدولار، والأدوية المزيفة محليا تتم عمليات تزييف وغش الدواء في مصانع صغيرة أو ورش لا تتعدي مساحتها 25 مترا وتكون في مناطق علي أطراف القاهرة مثل مدينة السلام و6 أكتوبر وعين شمس وحلوان والعاشر من رمضان وجسر السويس ويدير هذه الأماكن في الغالب أشخاص تكون لديهم خبرة أو معرفة سابقة بتجارة الأدوية وصناعتها، فيعرفون الأنواع النادرة أو غالية الثمن فيعملون علي غشها وتزييفها مثل الصيادلة والأطباء أو حتي خريجي كليات الطب البيطري الذين يعملون مندوبي مبيعات ودعاية لشركات، أما الأدوية المغشوشة في الخارج فتأتي مهربة من عدة دول أو مراكز معروفة علي مستوي العالم في هذا النشاط غير المشروع علي وجه التحديد وتأتي في مقدمتها الهند وباكستان والصين وهونج كونج وإمارة دبي ولبنان، وتقوم هذه المراكز بغش وتقليد جميع أنواع الدواء تقريبا بما فيها أدوية علاج الملاريا والسل والإيدز والسرطان والضعف الجنسي وأدوية ضغط الدم والقلب والكوليسترول والمضادات الحيوية والهرمونات وأدوية الأعصاب والمسكنات والفيتامينات، وحتي أدوية علاج مرضي أنفلونزا الطيور والخنازير!
ويقوم علي أمر تزييف الأدوية في هذه المراكز عصابات الجريمة المنظمة «المافيا» والتي أدخلت منذ سنوات عمليات غش الأدوية كأحد المجالات الرئيسية التي تعمل فيها لكم الأرباح الهائلة التي تحققها وتتولي هذه العصابات إدخال إنتاجها من الدواء المغشوش والمزيف إلي دول العالم المختلفة عن طريق التهريب في حاويات ضخمة بطرقها الخاصة، فكما يهربون المخدرات يهربون الدواء المغشوش الذي يقارب أرباح تهريب المخدرات في العائد الضخم ويقل عنها كثيرا جدا في العقوبة، فالتجارة مربحة وآمنة لكبار رؤوس العصابات والذين قاموا بإنشاء مصانع أدوية كبيرة تغرق أسواق دول العالم خاصة في أفريقيا وآسيا بملايين العبوات من الأدوية القاتلة أو غير الفعالة علي الأقل.
فمثلا نجد في مصر أنه بينما تصل عقوبة تهريب المخدرات إلي الإعدام نجد عقوبة تهريب الأدوية الفاسدة والاتجار فيها بسيطة جدا ولا تتعدي الغرامة والحبس لمدة عامين مع ملاحظة أن الحبس يكون في حالة موافقة وزير المالية علي تحريك الدعوي المدنية ضد المهرب وهذا لايحدث كثيرا، ففي الغالب تكتفي وزارة المالية بدفع المهرب للغرامة التي قد تصل إلي ملايين الجنيهات، ولكن في عمليات تهريب الأدوية الفاسدة الكبيرة فقط، أما عقوبة الصيادلة الذين يبيعون أدوية مجهولة المصدر في صيدلياتهم فلا تقل عن 20 ألف جنيه غرامة ولا تتجاوز 250 ألف جنيه وذلك طبقا للتعديلات التي أدخلها في عام 1998 د. إسماعيل سلام وزير الصحة وقتها علي قانون مزاولة مهنة الصيادلة حيث كانت العقوبة قبل ذلك القانون لاتتجاوز 200 جنيه غرامة!
ويضيف د. علي عبد اللطيف: إن من أسباب زيادة عمليات تقليد وغش الدواء السماح لأي شخص باستيراد الآلات الخاصة بتصنيع الأدوية خاصة المستعملة منها التي يكون سعرها منخضاً جدا خاصة في الهند والصين.
فب 100 ألف جنيه فقط تستطيع أن تنشئ مصنعا للأدوية المقلدة والمغشوشة، ومع وجود خبرة ولو محدودة في مجال الصيدلة و تصنيع الدواء تستطيع أن تملأ السوق بأي كميات من الأدوية التي قد تتشابه تماما مع نظيرتها الأصلية بدءاً من شكل ولون العلبة ورقم التشغيلة وطريقة تغليف الكبسولات أو الأقراص وحجمها ولونها بطريقة يصعب اكتشافها حتي علي الصيادلة أنفسهم!، خاصة إذا علمنا أن بعض شركات الأدوية بعد انتهاء العمر الافتراضي للدواء والمادة الخام تبيعه لشركات أخري فتؤسس به مصانع تحت بير السلم.
• أدوية بالبيكنج بودر
وفي الفترة الأخيرة تمكنت مباحث التموين من كشف العديد من جرائم غش الأدوية منها القبض علي صاحب صيدلية شهيرة بمنطقة الساحل، يدعي ع. ع، يقوم بتجميع كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر ويبيعها للمرضي من خلال الصيدلية التي يمتلكها، وذلك بعد أن جاءتها معلومات تؤكد قيام صاحب الصيدلية باستغلال أحد المخازن بمنطقة الساحل في تهريب وتجميع كميات كبيرة من الأدوية غير الصالحة للاستخدام، وكشفت تحريات مباحث التموين أن المتهم يمتلك صيدلية ومخزناً بمنطقة روض الفرج، ويجمع كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة والمقلدة ومجهولة المصدر، وبالتنسيق مع إدارة الصيدلة بوزارة الصحة تم تشكيل لجنة من مفتشي الإدارة العامة لشرطة التموين ومفتشي الصيدلة بوزارة الصحة حيث تمت مراقبة المخزن، وباقتحامه تم ضبط 77 ألف عبوة وأدوية وأقراص مجهولة المصدر، وبإجراء التحاليل الفنية علي الأدوية المضبوطة تبين أنها غير مسجلة بوزارة الصحة وأنها منتهية الصلاحية ومغشوشة وتم تهريبها من الخارج وكشف تقرير مفتشي الصيدلة أن الأدوية المضبوطة تسبب أمراضا نظرا لتخزينها فترات كبيرة كما أنها غير مسجلة بإدارة الصيدلة كأدوية
كما نجحت الأجهزة الأمنية بالقاهرة في إحباط محاولة ترويج طن ونصف الطن من المكملات الغذائية والمنشطات المنبهة للعضلات الخاصة بكمال الأجسام والمقويات الجنسية وحقن معالجة الأمراض السرطانية مثل أورام الثدي والبروستاتا والكبد قبل ترويجها بالصيدليات، والتي قام بتصنيعها صاحب شركة مواد غذائية بمدينة السلام بمساعدة شخصين آخرين أحدهما صيدلي باستخدام المواد المكسبة للطعم والنشا والدقيق.
وفي أحد مخازن الأدوية غير المرخصة بمدينة طنطا تم ضبط كميات كبيرة من الأدوية عبارة عن مكملات غذائية وعبوات فارغة ومواد خام وكبسولات صلبة فارغة معدة لتعبئة هذه الأدوية.
وفي محافظة الإسكندرية قامت حملة بمداهمة مكان غير مرخص عبارة عن شقة صغيرة في منطقة الهانوفيل يتم فيها تقليد بعض المستحضرات الخاصة لشركة آمون للأدوية .. حيث ضبطت كميات كبيرة من بعض القطرات التي تستعمل للعين والأذن مع وجود فروق بينها وبين العبوات الأصلية من إنتاج الشركة.
وفي الجيزة تم القبض علي ثلاثة أشخاص انتحلوا صفة مندوبين لإحدي شركات الأدوية والعقاقير الطبية وعرضوا علي الصيدليات دواء «الإبركس» المهم لمرضي الكلي والذي يختفي أحيانا من سوق الدواء، وقد تبين من الفحص الفني عدم صلاحية الأمبولات وأنها معبأة بمادة غير معلومة وعند مداهمة وكر غش الدواء الذي يعمل لحسابه هؤلاء الأشخاص من قبل رجال الشرطة تم العثور علي كميات كبيرة من الأدوية والعقاقير والأمبولات غير الصالحة والمغشوشة واعترفوا بأنهم كانوا يملأون هذه الفوارغ والأمبولات بالمياه، والدقيق والأسمنت الأبيض!
ويقول الخبير الدوائي د. محمود مكي: زيادة عدد الصيدليات بصورة كبيرة ومبالغ فيها حتي إنه بلغ أكثر من 55 ألف صيدلية وقد جاءت هذه الزيادة الكبيرة في العدد نتيجة التحايل علي قانون مزاولة مهنة الصيدلة بشراء أسماء الصيادلة كأصحاب صيدليات وهمية فأصبح رأس المال هو المسيطر علي المهنة، وبالتالي البحث عن المكاسب والأرباح هو الهدف دون تقديم خدمة صحية جادة وسليمة وآمنة.
لذلك فمن الملاحظ حالياً وجود مضاربات قوية بين الصيدليات في منح خصومات علي الأدوية قد تصل إلي 20%، وفي ظل هذه الممارسات الضارة ينتشر أيضا الدواء الفاسد لأنه ببساطة كيف تتم هذه التخفيضات علي الرغم من أن الدواء سلعة مسعرة؟ وهل الصيدلية تتحمل الخسائر أم أن هناك وسائل غير مشروعة لتعويض هذه الخصومات؟ لذلك فأول طريق مواجهة ظاهرة الأدوية المغشوشة هو تشديد رقابة وزارة الصحة علي الصيدليات فلا يتمكن غير الصيادلة من افتتاح صيدليات جديدة والعمل فيها حيث نري حاليا خريجي كليات تجارة وآداب وحقوق يعملون في الصيدليات بل نجد الحاصلين علي مؤهلات متوسطة يعملون صيادلة أيضا ولا رقيب من أحد فكيف نمنع الاتجار في الأدوية المغشوشة والمزيفة ومن يمارس المهنة في الصيدليات غير صيادلة أو مؤهلين لممارسة هذه المهنة من الأساس.
ويضيف د.محمود مكي: إن جريمة تزييف الأدوية انتشرت مع ظهور فئة من موزعي الأدوية من يعملون بعيدا عن شركات التوزيع المعتمدة ومعظمهم يتعامل مع مخازن الأدوية غير المرخص لها بالعمل من وزارة الصحة، وهؤلاء المندوبون أقرب إلي ما يعرف بتجار الشنطة الذين يحملون قائمة بالأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية التي يبيعونها للصيادلة بخصومات تصل نسبتها إلي50%، وللأسف يقوم البعض من ضعاف النفوس بشرائها في حين يبيعها البعض الآخر بسعرها الأصلي حتي لا ينكشف أمره ويقع الصيدلي ضحية عملية نصب، ودور وزارة الصحة مواجهة هؤلاء المندوبين غير الرسميين ومعاقبة الصيادلة الذين يتعاملون معهم مع تشديد إجراءات مراقبة مخازن الأدوية وإغلاق غير المرخص منها.
كذلك يجب استخدام أحدث الأجهزة للكشف علي الدواء المزيف بسرعة ودقة كبيرة، فاستخدام أمهر أساليب التزييف بدءا من طباعة ولون العلبة حتي عملية التغليف نفسها جعل من الصعوبة التفرقة بين الدواء الأصلي والمزيف إلا بعد تحليل المادة الخام الدوائية التي بداخل كل علبة دواء، لكن في الخارج يستخدمون جهازاً ذا قدرة تكنولوجية عالية علي كشف تزييف الدواء عن طريق بصمة للدواء تعمل هذه البصمة بنظام يرتبط بالمصنع وبالتشغيلة الدوائية، وبالتالي يصعب تزويرها وهو جهاز مرتفع الثمن جدا لكن من يريد التصدي بجدية لمافيا الأدوية الفاسدة لايهمه فقط إلا صحة مواطنيه !
يقول د. عزالدين الدنشاري: لابد من منظومة متكاملة لمواجهة جريمة غش الأدوية فالحلول أحادية الجانب لن تنجح علي الإطلاق في القضاء علي هذه الجريمة، ويجب أولا تشديد عقوبات تهريب الأدوية المزيفة والمغشوشة والاتجار فيها إلي السجن المشدد والغرامة الكبيرة بدلا من العقوبات الهزيلة الموجودة حاليا، كذلك القيام بعملية توعية شاملة بخطورة الدواء الفاسد وبخاصة الصيادلة حتي لايتعاملوا مع الأدوية مجهولة المصدر حتي لا يكونوا مشتركين في جريمة قتل المرضي بهذه الأدوية السامة، ويمكن أن تبدأ هذه التوعية للصيادلة منذ دراستهم في كليات الصيدلة فتدرس هذه الكليات لطلبتها برنامجا متكاملا عن طرق تزييف الأدوية وأضرارها علي المرضي والاقتصاد القومي وبعد تخرجهم وعملهم بالمهنة نعمل لهم دورات أيضا عن تطور عملية التزييف وكيفية اكتشافها، ويمكن لوسائل الإعلام مع الجمعيات الأهلية المشاركة بنصيب كبير في توعية الجمهور بأن التأثير المدمر لهذه الأدوية لا يقل بأي حال عن أي وباء يتسبب في قتل عدد كبير من الأبرياء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق