الأحد، 13 مايو 2012

وثيقة( اقرأ والوحي )00 !


عبد العزيز أبو مندور شباب مصر : 14 - 10 - 2010

000
وثيقة( اقرأ والوحي ) بحث لنا خلاصته ؛ لا مستقبل ولا أمن ولا أمان لمن لم يعمل بها ،لا تربية ولا علم ولا حكم ولا مساواة ولا عدالة ولا حرية ولا مساواة ولا تراحم ولا تعاون ولا تكافل اجتماعي ولا ديموقراطية حقيقية ولا شورى شرعية.
يقول عز من قائل " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " ( العلق : 1: 5 )
بدأت السورة بقوله تعالى " اقرأ باسم ربك "
وكان أن ختمها بقوله تعالى " كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ "
( العلق : 19 )
ومن ثم ينكشف لكل صاحب فطرة سليمة وعقل رشيد وذوق رفيع أن بداية السورة حث على طلب العلم والأمر به ، فالعلم بالله تعالى طلبه فريضة ؛ بل هو أول الفرائض قاطبة وأولاها بالعناية والطلب ؛ فهو العلم النافع دنيا وأخرى ؛ فكل علم به متصل وتابع له هو علم صحيح ونافع ولو كان فى أمور الدنيا ، فانظر !
والنهاية أمر بالسجود لله تعالى ؛ فهو منتهى الرجاء فى القرب ؛ فلا بد للإنسان من حصن يحميه من قطاع الطرق وحزب الشيطان أعداء الله ، حتى يخلص بالعلم بالله تعالى ، فيكون قلبه أهلا لتلقى أنوار القرب ، فيحظى بلحظ العناية ومواهب الهداية وسبل السلام من حضرة الرب المعبود علام الغيوب.
أخرج الإمام البخاري فى صحيحه قال : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ؛ وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء،فجاءه الملك فقال: اقرأ قال ما أنا بقارئ.
قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ. قلت : ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم "
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال : زملوني زملوني.
فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ؛ وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ؛ فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟
قال : نعم ؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.
ومن هنا تساءلت كيف طلب ربنا سبحانه وتعالى وأمر عبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بالقراءة مع علمه به سبحانه وتعالى ، فهو نبي أمي موصوف بذلك فى القرآن والكتب الإلهية السابقة ؛ فالأمية من خصائصه صلى الله عليه وسلم دون سائر النبيين كما أن القرآن الكريم معجزته التى خص بها صاحب الرسالة العالمية فى الزمان والمكان دون كافة إخوانه من الأنبياء السابقين ، فلم يحظ بها غيره من قبل ولا يحظ بها أحدا بعده ، فهو خاتم النبيين والعاقب الذى لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
وكانت أميته من معجزاته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم .
يقول عز من قائل " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " (الأعراف :157 - 158 )
وقال سبحانه وتعالى تأكيدا على أميته صلى الله عليه وسلم " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " (العنكبوت : 48 )
ومن هنا تعجبت كثيرا من هؤلاء الذين ظنوا أن الأمية تعنى الجهل بالقراءة والكتابة ، ومنهم أساتذة من كبار رجال الأزهر ، أتحرج ذكر أسمائهم أو صفاتهم ، فالستر أولى بهم ، مع أنهم محسوبون على علوم الحديث ، وكأنهم يدرسونها دون تفكر فى مضامينها ومعانيها.
لقد تبين لنا أن الأمي ليس هو من لا يقرأ ، بل هو كغيره ممن ليس أميا يقرأ ، ولكنه لا يكتب ، فلا تظن بقولنا أنه يقرأ أنه يعرف حروف الهجاء المكتوبة ، ولكنه يعلم حروف الكتابة وألفاظها المنطوقة ، فالقراءة فى أصلها نطق حتى ولو لم يعرف صاحبها الكتابة ولا الحرف المرسوم والمكتوب.
يقول سبحانه وتعالى " اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " ( الإسراء : 14 )
وقراءة الكتب هنا ليست مخصوصة بقارئ دون آخر ، فالكل يوم القيامة وساعة العرض والحساب يقرأ ؛ فلا يستثنى أحد سواء من كان يكتب ويخط الخط ، أو من كان لا يعرف الكتابة وحروف الهجاء المرقومة.
خرج الإمام أحمد فى مسنده عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدجال أعور بعين الشمال بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه الأمي والكاتب.
تأمل ، فالأمي الذى لا يعرف الكتابة يقرأ ، والكاتب الذى يكتب ويحسب ممن ليس بأمي يقرأ ما هو مكتوب بين عيني الدجال الأعور عينه الشمال.
وجاء فى ( السنن الكبرى ) للبيهقي - باب لم يكن له أن يتعلم شعرا ولا يكتب.
قال الله تعالى " وما علمناه الشعر وما ينبغى له "
وقال " فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي "
قال بعض أهل التفسير : الأمي الذى لا يقرأ الكتاب ، ولا يخط بيمينه .
( وهذا قول مقاتل بن سليمان وغيره من اهل التفسير. )
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله عزوجل " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك"
قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ولا يكتب "
وهذا الكلام إن صح عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ لا يفيدنا جهله بالقراءة المنطوقة المسموعة صلى الله عليه وسلم ، ، لأننا لا ندع قول نبينا فى كتب الصحاح لقول لا يثبت.
ولعل مقصود ابن عباس رضي الله عنهما بنفى القراءة عنه صلى الله عليه وسلم ؛ القراءة من الكتب والصحف.
قال صلى الله عليه وسلم " نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " -
هذا هو ما نفهمه من معنى الأمي والأمية ، فهو الذى لا يكتب ، ولكنه يقرأ ليس من كتاب ولا من صحف ، بل يقرأ على السماع ، والقرآن كله لا يصح أخذه إلا عن السماع من شيخ قارئ كما أخذته الصحابة وتلقته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعا ، وكما تلقاه صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام سماعا ، وكما تلقاه جبريل عليه السلام من ربه سبحانه وتعالى ؛ رب العالمين سماعا.
، فذكر حديث الحديبية، وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا على امح رسول الله.
قال: والله لا أمحوك أبدا.
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ، وفي رواية يوسف بن أبى إسحاق عن أبيه عن البراء في هذه القصة قال : فقال : أرنيه فأراه إياه فمحاه بيده.
واما حديث عون بن عبد الله عن أبيه قال : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ.
قال مجالد فذكرت ذلك للشعبى فقال : قد صدق ؛ قد سمعت من اصحابنا يذكرون ذلك.
وقال البيهقي : فهذا حديث منقطع ؛ وفي رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين والله تعالى اعلم.
وعموما ، فالقراءة ليست مخصوصة بقراءة الكتب ، فالأمي كما علمنا يقرأ ولا يكتب.
وقراءة الكتب ليست بمستطاعة إلا لمن يعرف الكتابة ، فالأمي لا يكتب ، فلا يستطيع أن يقرأ من الكتب والصحف ، ولكن – يوم القيامة والعرض والحساب كل الناس تستطيع أن تقرأ من الكتب – كما فهمنا - ، فالقراءة فى ذلك الوقت ليست مخصوصة بقارئ دون آخر ، فالكل يوم القيامة وساعة العرض والحساب يقرأ ؛ فلا يستثنى أحد سواء من كان يكتب ويخط الخط ، أو من كان لا يعرف الكتابة وحروف الهجاء المرقومة ، تماما كما يستطيع كل أحد أن يقرأ ما بين عيني الدجال الأعورعينه الشمال كافر.
هذا وقراءة القرآن ليست قراءة واحدة بل قراءات سبع .
جاء فى ( فتح الباري لابن حجر ) فى شرحه لحديث السبعة أحرف التى أنزل بها القرآن الكريم أن المراد بالأحرف اللغات أو القراءات.
أي أنزل القرآن على سبع لغات أو قراءات.
والأحرف جمع حرف مثل فلس وأفلس ، فعلى الأول يكون المعنى على سبعة أوجه من اللغات ، لأن أحد معاني الحرف في اللغة الوجه.
يقول سبحانه وتعالى " ومن الناس من يعبد الله على حرف "
وعلى الثاني يكون المراد من إطلاق الحرف على الكلمة مجازا لكونه بعضها .
أخرج أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو " أن رجلا قرأ آية من القرآن ،
فقال له عمرو : إنما هي كذا وكذا ،
فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم ، فلا تماروا فيه " ( قال ابن حجر : إسناده حسن )
وأخرج الإمام أحمد أيضا فى مسنده قال : حدثنا عفان قال حدثنا حماد قال أخبرنا حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت أن أبي بن كعب قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية وأقرأها آخر غير قراءة أبي.
فقلت : من أقرأكها ؟
قال : أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت : والله لقد أقرأنيها كذا وكذا.
قال أبي : فما تخلج في نفسي من الإسلام ما تخلج يومئذ.
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله ألم تقرئني آية كذا وكذا ؟
قال : بلى.
قال : فإن هذا يدعي أنك أقرأته كذا وكذا.
فضرب بيده في صدري ؛ فذهب ذاك ، فما وجدت منه شيئا بعد.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل وميكائيل عليهما السلام ؛ فقال جبريل : اقرأ القرآن على حرف.
فقال ميكائيل : استزده.
قال : اقرأه على حرفين.
قال : استزده.
حتى بلغ سبعة أحرف.
قال : كل شاف كاف. "
ومن هنا نعلم أن المقصود بالحرف الوجه من الوجوه السبعة ، فهي لغات ، وإلا كان العرب جميعا قرأوه على وجه واحد لو كان مقصوده الحرف المكتوب والمرسوم.
وفى ( شرح النووي على مسلم ) قال : ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة .
وقال آخرون : هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد ؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه ، فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه .
وقال آخرون : هي الألفاظ والحروف ، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب ،
ومن هنا لنا أن نقول : الأول أصح .
ودليلنا ما أورده الإمام أحمد فى مسنده عن علي رضي الله عنه قال : سأله رجل آقرأ في الركوع والسجود ؟
فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني نهيت أن أقرأ في الركوع والسجود ، فإذا ركعتم فعظموا الله ، وإذا سجدتم فاجتهدوا في المسألة ، فقمن أن يستجاب لكم "
ولنا أن نتساءل لمن يعقل : هل القراءة إن صحت فى السجود والركوع تكون من كتاب أم هي اللغات والنطق ؟!
أوليس الطفل الصغير يقرأ القرآن ؛ بل يحفظه عن ظهر قلب ؟!
يقول عز من قائل " ولقد يسرنا القرآن للذكر * فهل من مدكر "
أوليس الأعمى يقرأ القرآن ؟!
أتنفى قراءته أميته ؟
وحتى لو كان يكتب ويخط بيمينه ، فما يكتبه عن قراءة لا عن كتابة ، فإن كان ما يكتبه عن كتابة ، فليس بقراءة بل نسخ واستنساخ.
ويقول سبحانه وتعالى" هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "
( الجاثية : 29 )
ثم اختلف هؤلاء فقيل : سبع قراءات وأوجه .
وقال أبو عبيد : سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها .
وقيل : بل السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة .
وقيل : بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى " وعبد الطاغوت "
و " نرتع ونلعب "
و " باعد بين أسفارنا "
و " بعذاب بئيس "
وغير ذلك .
وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني : الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأمة ، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها ،
وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا ، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضاربة ولا متنافية .
وذكر الطحاوي أن القراء بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة ،
فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة .
قال الداودي : وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها .
وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة : القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث ، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف ، وهذا ذكره النحاس وغيره .
قال غيره : ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ، ولا يدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلى الله عليه وسلم وكلها مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ضبطها عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة ،
أي أنه كان أكثر قراءة به ، كما أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم .
قال المازري : وأما قول من قال : المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف.
وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام .
ويعقب المازوري على قول من قال : المراد خواتيم الآي فيجعل مكان " غفور رحيم " سميع بصير "
قال المازري : ( هذا قول ) فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس.
( هذا مختصر ما نقله القاضي عياض في المسألة . والله أعلم .)
ولتقرأ بتدبر ما سبق من آيات فى بيان مفهوم أميته صلى الله عليه وسلم .
يقول عز من قائل " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ( الأعراف : 157 )
وقال سبحانه وتعالى " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ( الأعراف : 158 )
وقال له ربه سبحانه " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " ( العنكبوت : 48 )
انظر لم يقل ربنا ما كنت تقرأ من كتاب ، بل قال سبحانه " وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" ( العنكبوت : 48 )
جاء فى ( صحيح البخاري ) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"
انظر وتأمل ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الأمي ما حاله ، فالأمي الذى لا يكتب ولا يحسب ؛ يعنى بخط اليد والكتابة المعروفة بالأقلام المعروفة للناس سواء كانت أقلام الريشة أو حتى القلم الإلكتروني ؛ فكلها أقلام من صنع الخلق مهما تنوعت سواء كانت بلوحة المفاتيح أو الأقلام الإلكترونية الحديثة ؛ ناهيك عما نعرفه من الأقلام التاريخية مثل الريشة وقلم الحبر سواء كان شعبي أو باركر وما شابه ذلك من أقلام الرصاص والقلم الجاف وخلافة من الأقلام الملونة وحتى فرش الألوان ( بحث لنا شامل لأنواع الأقلام المعروفة وغيرها – تحت الطبع ).
وقد أورد الإمام النووي فى شرحه على صحيح مسلم حديث الأمة الأمية وما قيل فى معناها .
عن ابن عمر رضي الله عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين "
قوله صلى الله عليه وسلم : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا .
قال العلماء : ( أمية ) باقون على ما ولدتنا عليه الأمهات لا نكتب ولا نحسب ، ومنه النبي الأمي.
وعن البراء قال : لما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيقيم بها ثلاثا ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف وقرابه ولا يخرج بأحد معه من أهلها ولا يمنع أحدا يمكث بها ممن كان معه قال لعلي اكتب الشرط بيننا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.
فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله.
فأمر عليا أن يمحاها.
فقال علي : لا والله لا أمحاها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها ؛ وكتب ابن عبد الله.
فأقام بها ثلاثة أيام ، فلما أن كان يوم الثالث قالوا لعلي : هذا آخر يوم من شرط صاحبك فأمره فليخرج فأخبره بذلك فقال : نعم .
فخرج "
و قال ابن جناب في روايته مكان تابعناك بايعناك.
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها وكتب ابن عبد الله ).
قال القاضي عياض - رضي الله تعالى عنه - : احتج بهذا اللفظ بعض الناس على أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده على ظاهر هذا اللفظ.
وقد ذكر البخاري نحوه من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق ، وقال فيه : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب ، وزاد عنه في طريق آخر ، ولا يحسن أن يكتب فكتب.
قال أصحاب هذا المذهب : إن الله تعالى أجرى ذلك على يده إما بأن كتب ذلك القلم بيده وهو غير عالم بما يكتب ، أو أن الله تعالى علمه ذلك حينئذ حتى كتب ، وجعل هذا زيادة في معجزته ، فإنه كان أميا ، فكما علمه ما لم يعلم من العلم ، وجعله يقرأ ما لم يقرأ ، ويتلو ما لم يكن يتلو ، كذلك علمه أن يكتب ما لم يكن يكتب ، وخط ما لم يكن يخط بعد النبوة ، أو أجرى ذلك على يده.
قالوا : وهذا لا يقدح في وصفه بالأمية ، واحتجوا بآثار جاءت في هذا عن الشعبي وبعض السلف ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كتب.
قال القاضي : وإلى جواز هذا ذهب الباجي ، وحكاه عن السمناني وأبي ذر وغيره ، وذهب الأكثرون إلى منع هذا كله.
قالوا : وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأول يبطله وصف الله تعالى إياه بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك"
وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"
قالوا : وقوله في هذا الحديث : ( كتب ) معناه : أمر بالكتابة.
كما يقال : رجم ماعزا ، وقطع السارق ، وجلد الشارب.
أي : أمر بذلك.
واحتجوا بالرواية الأخرى : " فقال لعلي - رضي الله تعالى عنه - اكتب محمد بن عبد الله "
قال القاضي : وأجاب الأولون عن قوله تعالى إنه لم يتل ولم يخط ، أي من قبل تعليمه كما قال الله تعالى " من قبله "
فكما جاز أن يتلو جاز أن يكتب ، ولا يقدح هذا في كونه أميا إذ ليست المعجزة مجرد كونه أميا ، فإن المعجزة حاصلة بكونه صلى الله عليه وسلم كان أولا كذلك ، ثم جاء بالقرآن ، وبعلوم لا يعلمها الأميون.
قال القاضي : وهذا الذي قالوه ظاهر.
قال : وقوله في الرواية التي ذكرناها " ولا يحسن أن يكتب فكتب " كالنص أنه كتب بنفسه.
قال : والعدول إلى غيره مجاز ، ولا ضرورة إليه.
قال : وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة ، وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا . والله أعلم.
والحق أننى لا أفهم كيف يعدل مثل هؤلاء العلماء إلى التأويل ؟!
لقد بشرت الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل به صلى الله عليه وسلم قبل مولده بمكة المكرمة وقبل بعثته بمئات السنين ؛ بل جاء وصفه بالنبي الأمي صريحا كما ذكر فى القرآن الكريم وهو صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك ؛ فهو النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا شريعة وجقيقة ، وذلك فى أحاديث كثيرة .
جاء فى ( الكتاب المقدس ) ما يؤكد ذلك بلا تأويل ، فقد تنبأ ( أشيعيا النبي من بنى إسرائيل ) عن نزول جبريل الملاك على محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي.
قال أشيعيا فى نبوءته : أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ؛ ويقال له : " إقرأ " فيقول : " لا أعرف الكتابة " ( الكتاب المقدس : أشعيا الإصحاح التاسع والعشرون )
فأين أنتم يا أصحاب الذوق الرفيع ؟!
أليس ما جاء فى الكتاب المقدس من نبوءة بالوحي ما جاء فى حديث الرؤيا الصالحة التى كانت تأتيه صلى الله عليه وسلم مثل فلق الصبح قبل المبعث حتى فاجأه الوحي ؟
قال له جبريل عليه السلام فى حديث عائشة رضي الله عنها وهي تحدث عن مبدأ الوحي " اقرأ .
قال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ .
حتى قال له : اقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم "
لا شك أن أمية النبي صلى الله عليه وسلم شاهد صدق على ما جاء من الوحي ؛ فهى من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم الظاهرة ، فليس فى الأنبياء نبي أمي ما عداه صلى الله عليه وسلم ، وهو ما أثبتناه فى كتابنا ( الاصطفاء والاجتباء وأنوار الأنبياء ) .
لقد شرفت القراءة والكتابة وأدواتهما مهما تطورت؛ كما ازدان والعلم والمعرفة وظهر بتمامه وكماله بمبعث النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ؛ ومن أول لحظة فى الدعوة الإسلامية العالمية ، وكذا تشرف العلماء وحكماء الأمة بهذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم .
لقد ارتبطت الدعوة إلى القراءة والكتابة والعلم التام الكامل الشامل بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم ؛ كما مجد القلم وأدوات القراءة والكتابة ، فما لها به صلى الله عليه وسلم من الروابط والأواصر ما لا يخفى ، وهو ما تكلمن عنه فى كتابنا ( الكون كله خريطة محمدية ).
إن رسولنا النبي الخاتم كان أول من عظم العلم و مجد القلم ، كما أن ثانى سورة نزلت من القرآن الكريم بعد آية ( اقرأ ) هى سورة ( القلم ) ؛ فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم دلالة على عظيم قدره.
يقول عز من قائل " ن ، والقلم وما بسطرون " ( القلم : 1 )
ومن هنا قام النبي صلى الله عليه وسلم على إشاعة الكتابة ، وتعليم أتباعه بكل الوسائل المتاحة ، فكتب الحديث والسيرة النبوية مليئة ومفعمة بالأمثلة الدالة على ذلك ، بل لم بكن هدف النبي صلى الله عليه وسلم قائم على مجرد " فك الخط " كما يقولون ، بل لا بد من " درجة الحذق والإتقان " حتى لا ينسى المتعلم ويرد إلى حالة الأمية من جديد.
ومن هنا أيضا وجدنا كثيرا من الناس ؛ بفضل إشاعة العلم الصحيح والنافع قد تخلصوا من الأسر وقيود الرق والعبودية بشتى أنواعها وألوانها إلا العبودية لله سبحانه وتعالى لا شريك له ؛ بل وجدنا كثيرا من المفكرين والفلاسفة وأولوا الألباب من جميع المستويات والشعوب والأديان تخلصوا من قيود الجاهلية وعصور الظلام وأسر الوثنية والشرك ، فدخلوا فى دين الله أفواجا ، وما زالوا يدخلون ، فقد حررهم العلم من تقاليد الآباء وعادات الجاهلية فى شتى العصور والأمصار.
خرج الإمام أحمد فى مسنده أن عبد الله بن عمرو كان يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع.
فقال : أنا محمد النبي الأمي قاله ثلاث مرات ؛ ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، وعوفيت وعوفيت أمتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه "
تلك من آخر كلماته صلى الله عليه وسلم قالها كالمودع ، فانظر 00 !
( وعلى الله قصد السبيل )
دكتور / عبد العزيز أبو مندور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق