أكتوبر أكتوبر : 04 - 03 - 2012
اختلفوا واتفقوا ما شئتم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فيما يتخذه من قرارات وإجراءات تخص الشأن الداخلى وإدارة المرحلة الانتقالية فهذا الاتفاق أو الاختلاف حق مشروع لكل مواطن مصرى لكن جوهر المعركة التى يخوضها الآن هذا المجلس وعبر الحكومة والمؤسسة القضائية مع الإدارة الأمريكية حول قضية التمويل الأجنبى لمؤسسات المجتمع المدنى هو جوهر يتعلق بالدرجة الأولى بمعايير السيادة الوطنية ورفض التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية.
لذلك لا يجب خلط الأوراق بين معارضة قد تكون طبيعية ومطلوبة لسياسات المجلس فيما يتعلق بالشأن الداخلى وبين حشد وتأييد هو بالفعل مطلوب وراء هذا المجلس فى قضية التمويل الأجنبى ذلك لأنه لا يخفى على احد أن التطورات التى شهدتها هذه القضية منذ بدء التحقيقات القضائية فيها توحى بأن المسألة تجاوزت من الجانب الأمريكى كل ما يمكن أن تقبل به أى سلطة وطنية فى أوقات ثورة شعبية كاسحة سوف تعيد صياغة المستقبل المصرى ومستقبل المنطقة على نحو مغاير لما كان سائدا منذ بدء تاريخ الدولة الحديثة فى مصر قبل قرنين من الزمان.
فالجانب الأمريكى الذى انتفض بمجرد فتح ملف المنظمات الممولة من الخارج لم يكتف بالتهديد بقطع المعونة وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسى وزاد الطين بلة حالة التحريض المتواصل ضد السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولى التى يراها الأمريكيون انها رأس هجوم الحكومة المصرية على المنظمات الامريكية.
من هنا كان لابد للمجلس العسكرى ان يرد على الوقاحة الامريكية بأقصى لغة ممكنة وهو ما ظهر جليا فى الايام الماضية من التصريحات المتبادلة بين الطرفين.
الغريب فى الامر ان هناك على الجانب المصرى ومن بين العاملين فى مجال حقوق الانسان ومن يستفيدون من مثل هذا التمويل من يرون انه لا غضاضة فى الاستثمار فى التمويل وان الموقف الرسمى غير مقبول بدعوى ان الدولة ذاتها تتلقى معونات اجنبية وغاب عنها عند مقارنة الدولة بجمعية اهلية تتلقى دعما اجنبيا من وراء ظهر الدولة والقانون والمجتمع.
إن موارد الدولة خاضعة للرقابة والتقيق بطبيعتها لأنها لا تختلط بحسابات اشخاص مثلما هو الحال فى مجال حقوق الانسان حيث وجدنا ان التمويل يأتى إلى حسابات افراد سرعان ما تظهرعليهم علامات الثراء المفاجئ مثل هذه الناشطة التى اشترت شقة فى الزمالك بمليونى جنيه فجاة رغم اصولها الاجتماعية المتواضعة حسبما ذكر قبل ايام وزير العدل السابق المستشار محمد عبد العزيز الجندى.
ايضا فإن المنح التى تتلقاها الدولة تخضع لرقابة شعبية من البرلمان الذى تدخل اختصاصاته الموافقة او رفض هذه المنح واتفاقيات التمويل وبالتالى لا توجد مقارنة بين حال دولة تتلقى معونات مثل العديد من بلدان العالم وجمعية اهلية تتلقى دعما من جهة خارجية من وراء ظهر المجتمع والقانون وبهدف إعداد تقارير وبحوث وتنظيم دورات تدريبية ذات طبيعة سياسية ومن ثم تعمل شاءت أم أبت - وفق اهداف الجهات المانحة فلا يوجد احد يقدم اموالا لتمويل نشاط سياسى دون ان يكون له هدف، قد تصدق ذلك فى حالة تمويل المشروعات الخيرية ذات البعد الانسانى مثلا مثل تلك الانشطة التى تقوم بها منظمات الامم المتحدة فى مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية للمناطق الفقيرة والمحرومة حول العالم، أما فى السياسة فلايوجد شىء لوجه الله وهذا مربط الفرس الذى يجب ان يتوقف عنده الجميع ويقتنعون ان موقف الدولة المصرية منقصة التمويل الاجنبى هو موقف المدافع عن السيادة الوطنية وليس كما يشيع البعض بهدف ضرب النشطاء السياسيين او حصار للحركة المعارضة للمجلس العسكرى.
القضية بالتأكيد ليست كذلك لان ما يجرى فى ملف التمويل الاجنبى وتصرفات الإدارة الأمريكة تجاه هذا الملف والتهديدات المتوالية ضد مصر انما تعكس بالدرجة الاولى تراث علاقة التبعية التى أغرقنا فيها النظام الساقط مع الولايات المتحدة عبر العقود الماضية نحن ازاء لعبة اختيار لمصر بعد الثورة مثلما فعلتها أمريكا مع مصر بعد ثورة يوليو 1952 تريد أن تعرف لأى مدى يمكن ان نصمد فى وجه الضغوط والتلويح بالعصا والجزرة ، تزيد أن تعرف لأى مدى يمكن ان تقف سياسة مصر الخارحية والإقليمية فى الفترة القادمة مع أو ضد السياسة الأمريكية التى تعيد بناء إستراتيجيتها السياسية فى المنطقة الزاخرة بالمصالح والصراعات والثروات النفطية فى ظل حكومات قادمة سوف تخضع دون شك لمساءلة شعبية حازمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق